العدد 1405 / 18-3-2020

دخل لبنان ازمتين صحية ومالية مع اعلان مجلس الوزراء التعبئة العامة في البلاد من اجل الحد من انتشار فيروس كورونا بين اللبنانيين الذي وصل عدد المصابين فيه الى ما يقارب المائة وعشرون اصابة حسب تقارير وزارة الصحة اللبنانية ، ومع دخول لبنان رسميا في نادي الدول الموبؤة بفيروس كورونا ، دخل لبنان ايضا في نادي الدول المتعثرة ماليا بعد مرور اكثر من اسبوع على قرار الحكومة اللبنانية تعليق سداد الديون وقرارها اطلاق المفاوضات مع الوافدين لاعادة هيكلة ديون لبنان .

واذا كانت الجكومة قد قررت متأخرة جدا اعلان التعبئة العامة في البلاد واقفال المعابر البرية والبحرية والجوية مع الخارج تفاديا لانتشار فيروس كورونا بين الشعب اللبناني بصورة كبيرة جدا كما هو الحال في ايران ودول الاتحاد الاوروبي ، فان قرارها بتعليق سداد ديون لبنان وما يصاحبه من جدل حول الاجراءات المطلوبة سواء فيما يتعلق بالمفاوضات مع الدائنين او اللجوء الى خيار ال "hair cut" من اجل توفير الاموال للخزينة ، او الاستعانة بصندوق النقد الدولي من اجل انقاذ الاقتصاد اللبناني المتهالك يكشف حالة التردد والضعف التي تعيشها الحكومة في هذه الايام العصيبة ، اذ انه رغم الاجتماعات واللقاءات والماشورات مع الخبراء الاقتصاديين اللبنانيين والاجانب فان الحكومة تبدو عاجزة من اتخاذ قرار ينقذ لبنان واللبنانيين بسبب الخلاف بين القوى السياسية الفاعلة حول هذه القرارات ولا سيما منها قرار الاستعانة بصندوق النقد الدولي الذي اصبح بعد انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم خيارا وحيدا ولا بد منه اذا ارادت هذه القوى السياسية الممسكة بقرار الحكومة انقاذ الاقتصاد اللبناني من مزيد من الانهيارات وعلى مختلف الصعد .

ولكن في ظل الحالة التي يعيشها العالم هل يملك لبنان خيار فرض شروطه ومطالبه على الدول المانحة لانقاذ الاقتصاد اللبناني ؟

يبدو الجدل في زمن انتشار فيروس كورونا في كل العالم حول القبول او عدم القبول بخيار الاستعانة بصندوق النقد الدولي من قبل الحكومة اللبنانية نوعا من الترف الفكري الذي يصيب كثير من اللبنانيين بالاشمئزاز والقرف .

فالحكومة اللبنانية كان بامكانها الحد من انتشار فيروس كورونا في لبنان بصورة كبيرة جدا لو سارعت الى فرض حظر على الرحلات القادمة من الدول الموبؤة بالفيروس ولا سيما من ايران اولا ومن ايطاليا وباقي الدول ثانيا ، لكنها وبسبب الضغوط السياسية من قبل القوى الممسكة بقرار الحكومة السياسية تجاهلت هذه المخاطر ورفضت الاستجابة لمطالب اللبنانيين يوقف الرحلات جوا وبرا من ايران وغيرها من الدول والنتيجة هي ما يعيشه اللبنانيين حاليا من حالة تعبئة لمواجهة المرض فيما يبدو الجهاز الصحي في لبنان كما اظهرت حالات الاصابة بفيروس كورونا في بعض المستشفيات الخاصة – عاجزا عن مواجهة حالة الانتشار الكبير للمرض كما هو الحال في دول مثل الصين والولايات المتحدة الامركية والاتحاد الاوروبي ، وهذه الدول رغم وجود قطاع صحي متطور وحديث فيها انهار فيها القطاع الصحي كما هو الحال في ايطاليا والنروج واسبانيا فكيف سيكون الحال في لبنان لو انهار القطاع الصحي بفعل انتشار فيروس كورونا بسبب الموانع السياسية للقوى الممسكة بقرار الحكومة .

هذا الواقع المشار اليه بالنسبة الى فيروس كورونا يمكن ان يصيب لبنان على الصعيد الاقتصادي لأن "حزب الله" كان يرفض الاستعانة بصندوق النقد الدولي باعتباره "جهة استكبارية" كما قال الشيخ نعيم قاسم وبعد طلب ايران قرض بقيمة خمسة مليار دولار من صندوق النقد الدولي لمواجهة فيروس كورونا ، حصل تبدل جزئي في موقف الثنائي الشيعي من قرار الاستعانة بصندوق النقد الدولي حيث اعلن هذا الفريق قبوله مساعدات الصندوق لكن بدون شروط سياسية من صندوق النقد الدولي .

وبغض النظر عن موضوع الشروط السياسية التي يريدها صندوق النقد ، فان لبنان في هذا الوقت بالذات لا يستطيع فرض اي شرط لا على صندوق النقد الدولي ولا على غيره ، فالعالم كله يوجه اهتمامه لمحاولة احتواء فيروس كورونا والاولوية هي لهذا الامر هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى فان وضع لبنان المالي والنقدي وخصوصا في ظل تراجع عائدات الدولة ، وحالة شبه الافلاس في المصرف المركزي في قطاع المصارف ، لا تسمح بترف رفض مساعدة صندوق النقد الدولي بحجة الشروط السياسية ، والا سيصيبنا اقتصاديا وماليا كما اصابنا في موضوع فيروس كورونا .

باختصار ، لبنان في حالة موت سريري ماليا واقتصاديا ، وزاد الطين بلة انتشار فيروس كورونا محليا وعالميا ، فهل يمكن التوقف قليلا عن كل الفلسفات الفارغة والعمل على انقاذ لبنان واللبنانيين ؟

بسام غنوم