نجح حزب الله في تحقيق الأهداف التي وضعها على صعيد المعركة الانتخابية وفي ظل القانون الانتخابي الجديد، فهو أوصل كتلة نيابية كبيرة له ولحلفائه الى المجلس النيابي، وأصبح لديه عدد من النواب من المعارضين للرئيس سعد الحريري، إضافة إلى حماية تحالفه الاستراتيجي مع حركة أمل، واستمرار التحالف المميز مع التيار الوطني الحر، رغم التباينات الانتخابية والسياسية في بعض الأحيان.
لكن رغم هذا النجاح الانتخابي، عمد المسؤولون في الحزب إلى عدم رفع الصوت عالياً لتغيير الواقع السياسي القائم، فلم يعارضوا عودة الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وحرصوا على أن تكون مطالبهم الحكومية والداخلية متواضعة، ولم يطرحوا مطالب سياسية أو داخلية تعجيزية.
ويعبِّر المسؤولون في حزب الله عن ارتياحهم واطمئنانهم إلى الأوضاع الداخلية والخارجية، وهم ينتظرون تشكيل الحكومة لطرح رؤيتهم الداخلية وكيفية معالجة كافة المشكلات التي يواجهها البلد، وخصوصاً ملف الفساد والوضع الاقتصادي واللاجئين السوريين وعلاقات لبنان الخارجية.
فكيف ينظر المسؤولون في حزب الله الى الأوضاع الداخلية والخارجية في هذه المرحلة؟ وهل سيستطيع الحزب تنفيذ استراتيجيته الداخلية الجديدة التي أعلنها خلال الحملة الانتخابية أمينه العام السيد حسن نصر الله، ولا سيما على صعيد مكافحة الفساد والاهتمام بالشأن الداخلي؟
الاطمئنان إلى التطورات
بداية كيف يقيِّم المسؤولون في حزب الله الأوضاع الداخلية والخارجية، ولا سيما بعد الانتخابات النيابية وفي ظل التطورات في لبنان والمنطقة؟
تقول مصادر مطلعة على أجواء قيادة حزب الله: «إن الحزب مرتاح كثيراً لنتائج الانتخابات النيابية، وقد تحققت النتائج المطلوبة من الانتخابات من خلال تشكيل كتلة نيابية كبيرة من نواب الحزب وحلفائه، كذلك نجح الحزب، من خلال اقرار القانون الانتخابي الجديد القائم على النسبية في دعم وصول عدد من النواب المعارضين للرئيس سعد الحريري في مختلف المناطق اللبنانية، وحافظ على تحالفه الاستراتيجي مع حركة أمل وعلى العلاقة المميزة مع التيار الوطني الحر، رغم بروز بعض التباينات الانتخابية والسياسية التي أدت إلى خسارة مقعد جبيل الشيعي وأحد المقاعد المسيحية في بعلبك-الهرمل».
وتضيف المصادر: «إن الأصوات التفضيلية التي نالها نواب الحزب في مختلف المناطق، إضافة إلى الأصوات التي أُعطيت لحلفاء الحزب تؤكد القوة الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها حزب الله في لبنان، والتي لا يمكن تجاوزها سياسياً وحكومياً، ولكن رغم ذلك حرص المسؤولون في الحزب بالتعاون مع الرئيس نبيه بري على عدم المطالبة بحصة كبيرة في الحكومة الجديدة والاكتفاء بستة مقاعد، مع حرص حزب الله على ان يتمثل للمرة الأولى بثلاثة وزراء، مطالباً بإحدى الوزارات الأساسية التي قد تكون وزارة الصحة، كما ان الحزب حريص على استمرار التعاون مع الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل الحكومة ونجاحها، وهو لم يطرح أي بديل له في الاستشارات».
وبالاضافة إلى الاطمئنان إلى الأوضاع الداخلية ونتائج الانتخابات، أشارت المصادر المطلعة الى «أن قيادة الحزب مرتاحة للتطورات الإقليمية في سوريا والعراق وإيران واليمن، وهي ليست متخوفة من حصول أية تسويات أو اتفاقيات على حساب الحزب ودوره، بعد الانتصارات التي تحققت في السنوات الأخيرة».
تنفيذ الاستراتيجية الجديدة
لكن هل سينجح حزب الله في تنفيذ استراتيجيته الداخلية الجديدة ولا سيما مكافحة الفساد وتحقيق الانماء ومعالجة المشكلات الاقتصادية، خصوصاً انه رفع لأول مرة شعار «نحمي ونبني»، وجعل الإنماء في موازاة المقاومة؟
تقول المصادر المطلعة على أجواء قيادة حزب الله: «إن رفع شعار مكافحة الفساد والاهتمام بالشأن الداخلي لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة المعطيات التي توافرت لقيادة الحزب عن سوء الأوضاع الاقتصادية الداخلية، ولأنه لم يعد بالإمكان السكوت عن واقع الفساد والمشكلات التي يواجهها المواطن اللبناني، ولذلك عمد الحزب الى تكليف النائب حسن فضل الله بمتابعة «الوحدة الخاصة بمكافحة الفساد»، على ان يكون هذا الملف بالإشراف المباشر من قبل الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وإن هذا الملف، إضافة إلى ملفات أخرى كملف النازحين السوريين والأوضاع الاقتصادية والاصلاح الإداري سيكون في أولوية الاهتمام لدى مسؤولي الحزب في المرحلة المقبلة».
لكن هل سيستطيع الحزب تحقيق الأهداف التي وضعها نظراً لأن مشكلة الفساد وهي مشكلة بنيوية وتتعلق بكل النظام السياسي والطائفي في لبنان؟
تجيب المصادر: «إن قيادة حزب الله تدرك حجم التحديات التي تواجهها على صعيد مكافحة الفساد، لأن هذا الموضوع يتغلغل في كل البنية السياسية والحزبية والإدارية، لكن لم يكن هناك أي خيار بشأن القرار للتصدي للفساد، ويجب رفع الصوت عالياً وإطلاق أوسع حملة لمواجهة الفساد، بغضّ النظر عن النتائج التي يمكن تحقيقها، ولا يمكن منذ الآن الحكم على هذا القرار، بل لا بدّ من انتظار الخطوات العملية التي ستُعلَن في وقت لاحق».
المطلعون على الأجواء الداخلية لحزب الله يعرفون حجم التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الحزب، وانه رغم الاطمئنان إلى نتائج الانتخابات وللتطورات الإقليمية والدولية، يواجه الحزب عقبات عديدة في ظل زيادة الحصار المالي الأميركي لإيران، وفي ظل استمرار الصراعات الإقليمية والدولية، ونظراً لقيام جهات داخلية وخارجية بالعمل لإفراغ الانتصار الذي حققه الحزب في الانتخابات من مضمونه عبر عرقلة تشكيل الحكومة وتأخيرها، ومن خلال منع وصول حلفاء الحزب الى مواقع أساسية في الحكومة وخارجها.
إذاً دخل حزب الله بعد الانتخابات في مرحلة سياسية واستراتيجية جديدة، وهو مطمئن للتطورات، لكن ذلك لا يعني ان الطريق ستكون معبَّدة وسهلة أمامه، فمعركة الفساد أصعب من مواجهة الاحتلال والإرهاب، والمتغيرات الداخلية والخارجية قد تأتي على حساب الحزب ودوره، والأيام المقبلة ستحمل الكثير من المتغيرات التي يجب الانتباه إليها ووضع آليات عمل للتعاطي معها، وهذه مسؤولية كبيرة على قيادة حزب الله في المرحلة المقبلة.}