دخلت عملية تشكيل الحكومة في مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن الفترة السابقة، التي تلت تكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة الجديدة بعد مشاورات مع الكتل النيابية.
فالرئيس الحريري، بعد ما يقارب الشهرين على تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة، وبعد تعثر حل العقد المختلفة التي تعرقل تشكيل الحكومة، مثل العقدة المسيحية وعقدة التمثيل الدرزي، ومطالب النواب السنّة المستقلين، قال بكل صراحة للمعنيين مباشرة بالعرقلة، ولا سيما الوزير جبران باسيل والتيار الوطني الحر: «أنا من يشكل الحكومة بالتوافق مع رئيس الجمهورية، وكل الكتل والأحزاب ممثلون في الحكومة، وبناءً على ذلك أقوم بالاتصالات، وبنتيجتها أقابل رئيس الجمهورية ميشال عون ونتشاور، وتصدر التشكيلة خلال أسبوع أو اسبوعين».
ويأتي موقف الرئيس الحريري بعد استمرار المراوحة الحكومية في ظل العناد السياسي غير المبرر الذي يبديه الوزير باسيل الذي أعلن أن «الحكومة ستشكل بمعالم معروفة لن يتغير منها أي شيء... وستكون هناك حكومة تكريس الثقة»، وهو ما اعتبره الرئيس الحريري كأنه تعدّ مباشر على صلاحيات الرئيس المكلف، التي لا ترتبط بأخذ الموافقة بشأن الحكومة وشكلها من رئيس أي حزب من الأحزاب، ولو كان الحزب الذي يعتبر نفسه حزب رئيس الجمهورية، ولذلك جاء تأكيد الرئيس الحريري أنه مكلف التشاور فقط مع رئيس الجمهورية حول التشكيلة الحكومية وفق ما ينصّ عليه الدستور.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تتشكل الحكومة الجديدة خلال أسبوع أو أسبوعين كما قال الرئيس الحريري، أم أن عناد الوزير باسيل سيبقي الأمور على حالها؟
قبل الحديث عن إمكانية تشكيل الحكومة خلال فترة أسبوع أو أسبوعين لا بدّ من التوقف عند عدد من الملاحظات ترافق المشارات الجارية حول تشكيل الحكومة الجديدة.
أولى هذه الملاحظات تأكيد الرئيس المكلف سعد الحريري مراراً وتكراراً تمسكه بالصلاحيات التي منحه إياها الدستور لناحية ارتباط التشكيل الحكومي بالتشاور فقط مع رئيس الجمهورية، وليس مع رئيس أي حزب من الأحزاب، وهذا الموقف مختلف بالكامل عن الفترة التي سبقت الانتخابات النيابية، حيث قدم الرئيس سعد الحريري الكثير من التنازلات السياسية للرئيس عون والتيار الوطني الحر بعد التسوية السياسية بينهما التي جاءت بالعماد عون رئيساً للجمهورية، وكانت هذه التسوية محل رفض وانتقاد من كثير من القوى السياسية، ولا سيما من داخل تيار المستقبل ومن المسلمين السنّة في لبنان، وهو ما عبرت عنه نتائج الانتخابات النيابية بكل وضوح، حيث خسر الرئيس الحريري ثلث النواب المسلمين السنّة وعدداً كبيراً من النواب المسيحيين، وتقلصت كتلته النيابية من 36 نائباً إلى 19 نائباً، وهو ما دفع الرئيس الحريري الى إعادة حساباته السياسية قبل الاستمرار بما كان عليه قبل الانتخابات النيابية الأخيرة.
الملاحظة الثانية تجاهل الرئيس عون والوزير باسيل والتيار الوطني الحر لكل التضحيات السياسية التي قدمها الرئيس الحريري من أجل انجاز التسوية السياسية مع الرئيس عون، والأنكى من ذلك ان الوزير باسيل بدل أن يقابل تضحيات الرئيس سعد الحريري وتنازلاته بردّ للجميل عبر تسهيل مهمته الحكومية يريد فرض أعراف سياسية جديدة تقضي على البقية الباقية من صلاحيات رئيس الحكومة التي أقرها اتفاق الطائف، وذلك عبر الحديث عن الرئيس القوي والتصرف كأنه الآمر الناهي في شؤون البلد بمعزل عن رئيس الحكومة، كما هو الحال في العلاقة مع النظام السوري، ومع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكذلك بالنسبة إلى عودة النازحين السورين الى بلادهم. تبقى ملاحظة أخيرة، هي محاولة الوزير باسيل احراج الرئيس الحريري لإخراجه عبر تأكيده أن «الحكومة ستشكل بمعالم معروفة لن يتغير منها أي شيء»، وهو ما استفز الرئيس سعد الحريري عبر تأكيده مجدداً صلاحياته الدستورية كرئيس مكلف.
في ظل هذا الواقع هل يمكن القول إن الحكومة ستتشكل خلال أسبوع أو أسبوعين كما أعلن الرئيس الحريري؟
في ظل العقد التي ما زالت ترافق عملية تشكيل الحكومة الجديدة، ولا سيما عقدة التمثيل المسيحي والعقدة الدرزية، والمطالب المستجدة للنواب السنّة المستقلين، التي ما زالت تراوح مكانها، يبدو أن الأمور في ظل تصاعد المواقف بين الرئيس الحريري والوزير جبران باسيل دخلت في مرحلة «عض الأصابع» بين مختلف الأطراف السياسية، ولا سيما بين الرئيس المكلف والرئيس عون والوزير باسيل، وقد دخل على خط الضغوط السياسية، بقوة أيضاً العامل الاقتصادي الذي أصبح يضغط على مجمل الوضع في البلد، وهو ما يترك الباب مفتوحاً لكل الاحتمالات، فقد نشهد حكومة جديدة خلال أسبوع أو أسبوعين، وقد تستمر عملية الشد والجذب القائمة حالياً لوقت أطول.
باختصار، إنها عملية «عض أصابع» مكلفة ومؤلمة لكل الأطراف السياسية وللشعب اللبناني. فهل يكون الفرج قريباً؟}