بدأ الحزب التقدمي الاشتراكي استعداداته الانتخابية لخوض معركة البرلمان المقبل بقيادة تيمور جنبلاط وبرعاية مباشرة من رئيس الحزب وليد جنبلاط، ومع أن الحزب لم يعلن سوى اسم مرشح وحيد هو الدكتور بلال عبد الله عن دائرة الشوف-عاليه، فإن قيادة الحزب تتابع الاتصالات واللقاءات لتحديد أسماء بقية المرشحين ولترتيب التحالفات السياسية-الانتخابية مع الأطراف الأخرى، ولا سيما «تيار المستقبل».
وقد نجح الأستاذ وليد جنبلاط بتخفيف أجواء التوتر مع معظم القوى السياسية الداخلية، واعتمد «سياسة الوسطية» وعدم الصدام مع هذه القوى، وذلك من أجل بناء تحالفات مفتوحة قد تساعد الحزب في تشكيل كتلة نيابية قوية في المجلس النيابي المقبل. فكيف يستعد الحزب التقدمي الاشتراكي لخوض الانتخابات المقبلة؟ وما طبيعة التحالفات السياسية والانتخابية التي سيجريها من أجل تحقيق الفوز بكتلة نيابية فاعلة في البرلمان المقبل؟
الاستعدادات والتحضيرات
بداية كيف يستعد الحزب التقدمي الاشتراكي لخوض الانتخابات، وما دور كل من رئيس الحزب الحالي وليد جنبلاط ونجله تيمور في خوض المعركة الانتخابية؟
منذ عدة سنوات أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قراره بالابتعاد عن العمل السياسي والحزبي، لكن الظروف السياسية الخارجية والداخلية دفعت جنبلاط الى تأجيل تنفيذ هذا القرار ومتابعة رعاية الحزب ومسيرته. واليوم مع بدء التحضيرات لخوض الانتخابات النيابية المقبلة سينفَّذ قرار تسلّم تيمور جنبلاط دفة قيادة الحزب والعمل السياسي والنيابي دون ان يعني ذلك الابتعاد النهائي لوليد جنبلاط عن الشأن العام. وقد تولى جنبلاط الأب إعلان ترشيح الدكتور بلال عبد الله لمقعد في الشوف - عاليه بديلاً من النائب الحالي علاء الدين ترو، وهو الذي يتولى ترتيب العلاقات السياسية مع كافة القوى كي يمهد الساحة لتولي تيمور المعركة.
والخطوة الأهم التي قام بها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تتمثّل بترتيب العلاقة مع رئيس الحكومة وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري بعد أن سادت هذه العلاقة بعض أجواء التوتر، كذلك حرص على تمتين العلاقة مع الرئيس نبيه بري وابقاء خطوط التواصل مع حزب الله وبقية القوى السياسية (التيار الوطني الحر، حزب الكتائب، الجماعة الإسلامية، القوات اللبنانية، الحزب الديمقراطي العربي برئاسة طلال ارسلان).
وتشير المصادر المطلعة على أجواء الحزب التقدمي إلى أنه سيسعى إلى تشكيل لائحة قوية في الشوف - وعاليه بالتنسيق مع بقية القوى الأساسية، إضافة إلى خوض المعركة الانتخابية في بيروت بالتحالف مع تيار المستقبل، وفي بعبدا والبقاع الغربي، مع امكانية ان يكون هناك دور فاعل للحزب في بقية المناطق.
أما على صعيد الشخصيات التي سيرشحها الحزب إضافة إلى تيمور جنبلاط والدكتور بلال عبد الله، (في حال استمرار هذا الترشيح)، فلم يُحسَم القرار حتى الآن، وقد سبق لجنبلاط الأب ان أعلن ترشيح شخصية جديدة في بيروت بدلاً من الوزير النائب غازي العريضي، لكن لم يعرف حالياً إذا كان هذا القرار لا يزال قائماً أو يمكن العودة للعريضي. ويبدو أن حظوظ مروان حمادة في الشوف، وأكرم شهيب في عاليه ووائل أبو فاعور في البقاع العربي لا تزال قوية، مع تردد اسم مسؤول الإعلام رامي الريس في عاليه، وبعض الشخصيات الأخرى في بعبدا والشوف.
وبانتظار حسم الحزب التقدمي أسماء مرشحيه، الحزبيين أو الحلفاء، بدأت ماكينة الحزب بالنشاط ودور تيمور جنبلاط يزداد مع الرعاية المستمرة لوليد جنبلاط لقيادة المرحلة الانتقالية.
التحالفات السياسية الحزبية
لكن ماذا عن التحالفات السياسية والحزبية التي قد يجريها الحزب التقدمي الاشتراكي في الانتخابات المقبلة؟
من خلال متابعة مواقف رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط وسياسات الحزب الداخلية والخارجية، يبدو ان الحزب لا يريد ان يقطع العلاقة مع أي طرف سياسي أو حزبي فاعل، والأبواب ستكون مفتوحة للتعاون مع الجميع، وإن كان «تيار المستقبل» سيكون الحليف الأساسي للحزب، خصوصاً أن للتيار دوراً أساسياً في عدة دوائر (الشوف، بيروت، البقاع الغربي)، ولذا فإن التحالف بين التقدمي والمستقبل مستمر، وإن كانت هناك مشكلة عملية في دائرة الشوف بعد ترشيح الدكتور بلال عبد الله (من شحيم) وتيار المستقبل يدعم مبدئياً ترشيح النائب الحالي محمد الحجار (من شحيم)، وفي حال استمرار هذين الترشيحين فإن ذلك سيؤدي إلى مشكلة مع بلدة برجا التي تشكل ثقلاً انتخابياً في اقليم الخروب (الشوف)، لذا إما أن يتراجع الحزب التقدمي عن ترشيحه أو سيضطر «تيار المستقبل» إلى استبدال مرشح آخر من برجا بالنائب محمد الحجار.
وأما بشأن العلاقة مع حزب الله وحركة أمل، فقد حرص جنبلاط على الاستمرار بها والابتعاد عن أية اشكالات في ظل وجود بعض ساحات التعاون المشترك، ومنها دائرة البقاع الغربي، ودائرة بعبدا، مع ان حزب الله لديه حلفاء آخرون (وئام وهاب، طلال ارسلان، فيصل الداوود).
واستمر الحزب التقدمي بالعلاقة الايجابية مع القوى الإسلامية، ولا سيما الجماعة الإسلامية التي لها دور مؤثر في دائرتي الشوف والبقاع الغربي.
وعلى الصعيد المسيحي، فإن العلاقات مع معظم الأطراف المسيحية مستمرة وقائمة مع وجود بعض التباينات (التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، حزب الكتائب، حرب الوطنين الأحرار)، لكن من غير الواضح كيف ستُتَرجَم هذه العلاقات على الصعيد الانتخابي في ظل القانون الجديد القائم على أساس النسبية والصوت التفضيلي.
وبالإجمال، سيكون الحزب التقدمي الاشتراكي أمام معارك حامية في دوائر الشوف - عاليه وبعبدا والبقاع الغربي، وهو لديه كتلة ناخبة مهمة في هذه الدوائر، أما في بيروت، فالمعركة غير محسومة حتى لو تحالف مع تيار المستقبل.
والمهم أن الحزب يريد ان يكون لديه كتلة نيابية قوية ومتنوعة في البرلمان المقبل، لكن لا يبدو انه سيكون قادراً على الحفاظ على كتلته النيابية الحالية، بل سيضطر إلى تقديم بعض التنازلات الجديدة في المعركة المقبلة.}