العدد 1330 / 26-9-2018
بسام غنوم

توزعت الاهتمامات الرسمية بين زيارة الرئيس ميشال عون الى نيويورك من أجل القاء كلمة لبنان في الجمعية العامة للامم المتحدة , وانعقاد مجلس النواب فيما سمي ﺑ "تشريع الضرورة" لاقرار عدّة مشاريع قوانين تتعلق بمواضيع ادارة النفايات الصلبة و مشروع المعاملات الالكترونية , و اقتراح قانون حماية كاشفي الفساد و اقتراح قانون مكافحة الفساد في عقود النفط و الغاز, و غيرها من القوانين التي قيل انها ضرورية من اجل الاستفادة من نتائج مؤتمر سيدر الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس في الصيف الماضي , و اقرّ مساعدات و قروضاﹰ للبنان بما يفوق الاحدعشر مليار دولار .

الا ان هذا الاهتمام الرسمي المفاجئ بامور اخرى لا علاقة لها بالعرقلة المستمرة في عملية تشكيل الحكومة الجديدة , ترك تساؤلات كثيرة حول خلفيات مثل هذه التحركات و خصوصاﹰ موضوع "تشريع الضرورة" حيث اعتبر الرئيس تمام سلام أن لا ضرورة لانعقاد المجلس النيابي في ظل عدم وجود حكومة , وقد ايده في هذا الموقف الخبير الدستوري ميشال قليموس الذي اكد عدم دستورية الجلسة التشريعية التي دعا اليها الرئيس نبيه بري لانها يمكن أن تؤثر على الدور و الصلاحيات الدستورية المعطاة لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و الوزير المختص , وذلك انطلاقاﹰ من ان عملية التشريع لا تنتهي و لا يمكن لها النفاذ , الا بعد اصدار القوانين ونشرها في الجريدة الرسمية من قبل رئيس الجمهورية , وكذلك من خلال تمكين رئيس الجمهورية من استعمال صلاحياته الدستورية سنداﹰ للمادة 57 من الدستور ... علماﹰ ان رئيس الجمهورية لا يمكنه اصدار و نشر القوانين سنداﹰ للمادة 56 من الدستور , الا بوجود حكومة قائمة و تمارس صلاحياتها الكاملة .

وهنا يطرح السؤال التالي : هل عملية ما سمي ﺑ "تشريع الضرورة" هي محاولة للقفز الى الامام ؟

رغم كل الاعتراضات الدستورية و السياسية على جلسات "تشريع الضرورة" التي دعا اليها الرئيس بري , الا انها انعقدت بسحر ساحر بفعل تسويات سياسية طارئة بين مختلف القوى السياسية ولا سيما في ظلّ حكومة تصريف الاعمال , لكنه عاد وقبل بجلسات "تشريع الضرورة" بعد تفاهمات بين الرئيس بري و الرئيس الحريري على مضمون هذه الجلسات وعلى مشاريع القوانين التي سيتم اقرارها , و الحجة الدستورية التي استند اليها الرئيس بري لانعقاد الجلسات هي قوله :"اننا نشرع دستورياﹰ بناءﹰ على المادة 69 التي تعطينا الحق وليست المرة الاولى وهذا يوحي للبنانيين ان الحالة في البلد عادية".

ولعل جوهر الجلسات هو ما قاله الرئيس بري بان ذلك "يوحي للبنانيين ان الحالة في البلد عادية" , اي ان الامور بخير , وان مؤسسات الدولة موجودة و تمارس عملها بكفاءة وشفافية رغم عدم وجود حكومة .

اذاﹰ هي مجرد رسالة اطمئنان للبنانيين ارادها الرؤساء الثلاثة , و القوى السياسية الكبرى في السلطة من اجل التغطية على حالة الفشل السياسي و الخلافات المستحكمة بين الرؤساء و الاحزاب أولاﹰ , وللتغطية على حالة الترهل التي تضرب قطاعت الدولة وتهدد الاقتصاد وحياة اللبنانيين الصحية و الاجتماعية ثانياﹰ , ومحاولة لتوجيه رسالة الى المجتمع الدولي بان الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها مازالت قائمة وتعمل بفعالية رغم الخلافات حول تشكيل الحكومة الجديدة ثالثاﹰ .

لكن هل نجحت جلسات "تشريع الضرورة" في ايصال رسائلها الى اللبنانيين و المجتمع الدولي ؟

قبل انعقاد جلسات تشريع الضرورة في المجلس النيابي تلقى اللبنانيون رسالة سلبية من الفريق الرئاسي المسافر الى نيويورك , حيث تم الغاء رحلة لشركة الميدل ايست وعلى متنها اكثر من 200 راكب كانت متوجهة الى مصر من اجل نقل اعداد اضافية من الوفد الرئاسي المتوجه الى نيويورك و هو ما دفع النائب سامي الجميل الى التعليق بالقول : عيب كفى اذلالاﹰ للبنانيين. وكشفت هذه الحادثة عن الذهنية التي يتعاطى بها المسؤولون مع شؤون الناس وحاجاتهم وحقوقهم .

الرسالة السلبية الثانية كانت حديث النائب ياسين جابر عن رفض وزارة الطاقة عرضاﹰ تقدمت به المستشارة انجيلا ميركل خلال زيارتها الى لبنان في الشهر الماضي من اجل تامين الكهرباء للبنانيين , من خلال انشاء معامل توليد الكهرباء عبر شركة سيمنز , وهو مايظهر حالة الفساد التي تهيمن على عمل الوزارات و الوزراء .

ورغم المحاولات لتغطية "السماوات بالقبوات" كما يقال من قبل المسؤولين فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي المتدهور كشف النائب سامي الجميل في جلسات "تشريع الضرورة" ما "اخفاه" اكثر من مسؤول عن الواقع الاقتصادي الحالي , فقال : "خلال الاشهر الاربعة الاولى من سنة 2018 انخفضت الايرادات 5,7 في المئة , فيما ازداد الانفاق 22 في المئة , ووصل العجز الى نسبة اكبر مما كان متوقعاﹰ , فقارب 6,1 مليار دولار" . ودعا في ختام كلمته الى اعلان "حالة طوارئ تنقذ البلد" .

وكان وزير الصحة غسان حاصباني قد كشف ايضاﹰ عن ان لبنان سجل اعلى نسبة في مرض السرطان .

باختصار, البلد يسير بخطى سريعة نحو الانهيار على مختلف الصعد , و المسؤولون يتلهون بحلول بديلة بدل معالحة اصل المشكلة . فالى متى يستمر الوضع هكذا في لبنان ؟

بسام غنوم