العدد 1565 /31-5-2023

ريتا الجمّال

استطاع وزير المال الأسبق في لبنان جهاد أزعور أن يجمع "الأضداد" في السياسة والمتناحرين تحت خانة القوى المعارضة، التي جمعت أركاناً في المنظومة التقليدية ونواباً من "انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول 2019)" ومستقلّين، لتخوض من خلالهم معركة الإطاحة بمرشح "حزب الله" و"حركة أمل" (بقيادة رئيس البرلمان نبيه بري)، لرئاسة الجمهورية، رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، الرجل الأقرب إلى النظام السوري، وإن اختلفت النوايا والحسابات.

ولم تعلن القوى المعارضة التي انضم إليها في المحادثات الأخيرة "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، وبموقف جامع، التوصل بعد إلى اتفاق نهائي حول اسم أزعور، بيد أن أبرز متولي المفاوضات النائب فادي كرم، المنتمي إلى حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، أكد المسار التوافقي.

كذلك حال باسيل، الذي قال لصحيفة "القبس" الكويتية، في عددها الصادر أمس الثلاثاء، إن التيار توافق مع قوى المعارضة على اسم لرئاسة الجمهورية، علماً أن أبرز نوابه، سيمون أبي رميا، أطلق مواقف عكس التيار، نفى فيها طرح اسم أزعور على الطاولة "الحزبية".

وهو ما دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كان باسيل يناور، في ظلّ رغبته بإفشال وصول فرنجية لسدة الرئاسة بعدما كان الأول طامحاً للمنصب، وخوض هذه المعركة بأي اسم، ضمنهم أزعور، ليفتح الباب أمام مرشح ثالث توافقي.

في المقابل، يركن "حزب الله" و"حركة أمل" إلى التناقضات التي لا تزال موجودة في مواقف القوى المعارضة، لتكرار الذريعة نفسها التي استخدمها للإطاحة بترشيح النائب ميشال معوض، الذي كان يلقى تأييد المعارضين بتركيبتهم السابقة قبل انضمام التيار وبعض الشخصيات النيابية لصفوفهم، وذلك بوضع أزعور في خانة "مرشح التحدي، والمناورة، والنكد السياسي والتعطيل"، والإيحاء مجدداً بشعار "فرنجية أو الفراغ".

وتُبقي هذه الصورة أجواء التشاؤم سائدة بقرب انتخاب رئيس يملأ الشغور المستمرّ منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مع انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، وينتج حكومة جديدة تقوم بالإصلاحات اللازمة، وينقذ موقع حاكمية مصرف لبنان، مع انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة في يوليو/ تموز المقبل.

مع العلم أن الآمال لا تزال معقودة على انعكاس تطورات المنطقة إيجاباً على لبنان، وقرب مهلة 15 يونيو/ حزيران المقبل، التي حددها بري كحدّ أقصى لانتخاب رئيس.

في السياق، يقول مصدرٌ مقرّب من رئيس البرلمان، لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس بري لن يدعو إلى جلسة انتخاب شبيهة بالجلسات الـ11 الماضية (آخر جلسة برلمانية لانتخاب رئيس عُقدت في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي)، وهو ينتظر التوافق السياسي أو نوعاً منه للدعوة إلى جلسة، ويتمنى حصول ذلك اليوم قبل الغد".

ويضيف: "فليتفق الفريق الآخر الذي يصف نفسه بالمعارضة على اسم واحد، وعندها لكلّ حادث حديث"، لافتاً أيضاً إلى أن "هناك ترقّباً لجولة البطريرك الماروني بشارة الراعي الفرنسية، ونتائج لقائه مع الرئيس إيمانويل ماكرون، وسيصار إلى بحث كل المستجدات المرتبطة بالملف الرئاسي".

وحمل البطريرك الماروني ملف الرئاسة اللبنانية إلى الإليزيه أمس الثلاثاء، مع إيحاء بدعم اسم أزعور بعد التوافق عليه من قبل المعارضة، ولا سيما من جانب أكبر كتلتين مسيحيتين في البرلمان، مع الإشارة إلى أن باريس تؤدي دوراً أساسياً في الاستحقاق، وتُصوَّر من قبل وسائل إعلام لبنانية، وأفرقاء سياسيين، بأنها داعم كبير لفرنجية ضمن تسوية توصل أيضاً الدبلوماسي نواف سلام لرئاسة الحكومة.

مع العلم أن باريس أكدت في أكثر من بيان رسمي عدم تأييدها اسماً محدداً للرئاسة، معتبرة أن ذلك شأن لبناني داخلي، لأن دورها يقتصر على تقريب المسافات بين القوى ومحاولة إيجاد خرق للجمود.

في القراءة السياسية، يقول الكاتب السياسي بشارة شربل، لـ"العربي الجديد"، إن "الأكيد أن الرهان على عدم قدرة المعارضة على الاتفاق حول اسم رئيس سقط، وذلك بجهود حثيثة والتقاء المصالح بين أطرافها، التي تصبّ في إسقاط ترشيح فرنجية". ويرى شربل أن التشكيك بهذا الاتفاق مبالغ فيه، ولو أننا لا ندري كم سيصمد، لكن الهدف منه واضح، فإن لم يكن لإنجاح أزعور، فهو على الأقلّ لإلغاء ترشيح فرنجية ونزع حجة رئيس البرلمان بأن القوى المعارضة ليس لها مرشح تتفق عليه، وبالتالي إرغامه وإحراجه على فتح البرلمان.

ويرى أنه في حال دعوة بري إلى جلسة فإن المسألة لا تزال غامضة، وكذلك السيناريوهات، ولكن على الأرجح سيطيح الثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" النصاب إذا لم يكن متأكداً من فوز مرشحه (نصاب الجلسة 86 من أصل 128 نائباً).

كذلك، يرى شربل أنه من بين الاحتمالات أيضاً أن يجري التنافس بين الطرفين، من دون أن يحصل أي منهما على نصاب 65 صوتاً نيابياً لانتخاب رئيس، فتؤجل الجلسة، وتدخل البلاد عندها مرحلة جديدة من المشاورات والاتصالات السياسية الداخلية الإقليمية وربما الدولية للوصول إلى مرشح ثالث، يكون توافقياً.

ولم يستبعد شربل اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون، باعتبار أن فشل الأطراف السياسية في إيصال مرشحها سيصبّ في النهاية لصالح قائد الجيش، بغض النظر عن مسألة التعديل الدستوري الذي يحتاجه، وهي مسألة يمكن تجاوزها إذا حصل التوافق.

وهنا، يعتبر شربل أنه في حال وصلنا إلى هذه المرحلة، سيكون من أركان الاتفاق الولايات المتحدة وإيران، ولن يكون اتفاقاً محلياً بين الأطراف الداخلية.

وعلى خطّ التقلبات في المواقف على صعيد "التيار الوطني الحر" والخلافات الداخلية في صفوفه، يقول شربل إنه من الواضح أن التيار يعاني من عدم قدرة على التماسك الداخلي، إذ إن رئيسه باسيل لا حظ له بالوصول إلى سدّة الرئاسة، وفي الوقت نفسه يرفض طرح أحد أفراد تكتله النيابي أو تياره للرئاسة.

ويعتبر أنه لهذا السبب هناك أعضاء في التيار يرون أن الذهاب إلى مرشح من خارجه هو نوع من الخيانة الحزبية وللنضال في التيار، علماً أن كلاماً كثيراً سمعناه عن 4 إلى 5 نواب ضمن التكتل كانوا يدعمون ترشيح النائب إبراهيم كنعان.

وإذ يرى شربل أن باسيل يختبر بترشيح أزعور مدى قدرته على الإمساك بالتكتل ومدى تصميم نوابه على الالتزام بقراره، فهو يحشر معارضيه داخل التكتل في زاوية القبول أو الرفض، يقول في المقابل، إن باسيل يتوق بشكل دائم لإجراء صفقة مع "حزب الله" وليس مع المعارضة، لأن مكانه الطبيعي مع الممانعة، وفي الوقت الحاضر، يصعب إعادته إلى "بيت الطاعة" إلا إذا حصلت متغيرات بعد هذه المرحلة من الترشيحات.

وعلى صعيد ترشيح أزعور، يرى شربل أنه شخص سياسي له خبرة دولية في الاقتصاد وعالم المال وفي تدوير الزوايا وممارسة المرونة الكافية لتقطيع المسائل الداخلية، لكنه لن يكون شخصاً صدامياً في المواضيع الاستراتيجية الأساسية، مثل استعادة سيادة الدولة، لذلك إذا انتخب سيتم التجديد للمرحلة الحالية لكن بنكهة اقتصادية.

من جهته، يقول الخبير اللبناني في الشؤون الاقتصادية والمالية علي نور الدين، لـ"العربي الجديد"، إنه "يجب بداية معرفة مدى جدية طرح اسم أزعور بالمعادلة، إذ رأينا سابقاً طرح النائب ميشال معوض كاسم تفاوضي قبل التخلي عنه، وبالتالي ترشيحه كان مرحلياً وغير نهائي، لذلك للآن ليس واضحاً بعد مكان أزعور".

ويضيف أن "ما يعزز هذا الاعتقاد أن دعم أزعور غير مستند إلى أي سلة تسويات عادة ما تحيط بكل ترشيح يتم وضعه على الطاولة، سواء في موضوع السياسات المالية، أو تركيبة الحكومة الجديدة وكيفية معالجة الملفات العالقة".

تبعاً لذلك، يعتبر نور الدين أن هناك علامة استفهام لا تزال قائمة حول ما إذا كان أزعور مرشحاً نهائياً أم مرحلياً، وهو بدوره لم يطرح بعد رؤيته ونستبعد قيامه بذلك في هذه المرحلة، فهو يشغل مركزاً مرموقاً لن يتخلى عنه قبل ضمان ترشيحه. من ناحية ثانية، يقول نور الدين إن أزعور بحكم منصبه الحالي قادرٌ على فهم عقلية صندوق النقد الدولي الذي يعدّ أساساً في مرحلة نهوض لبنان اقتصادياً، والبلاد تتطلع إلى توقيع اتفاق نهائي معه.

كما أن لأزعور تجربة سابقة في الإدارة اللبنانية بحكم موقعه كوزير مال سابق يفهم التركيبة اللبنانية، لكن في الوقت نفسه هناك خشية عند الناس من انتخابه لأن اسمه مرتبط بالمنظومة المالية والسياسية التقليدية، وقد تكون لديه حسابات تدفعهم إلى عدم التفاؤل والتوجّس من وصوله إلى سدّة الرئاسة. من هنا يجب انتظار نضوج اسمه، ونوعية التسوية التي ستركّب والمعالجات ورؤيته في معالجة القضايا المصرفية والنقدية وغيرها.

ويشغل أزعور، وهو من مواليد عام 1966، منصب مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، ويشرف على عمل الصندوق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز.

وأزعور، وهو ابن شقيقة النائب الراحل جان عبيد، الذي طُرح اسمه مراراً لرئاسة الجمهورية، وشغل منصب وزير المال بين عامي 2005 و2008 في حكومة فؤاد السنيورة، الذي ارتبط اسمه بملف صرف الـ11 مليار دولار، وبسياسات مالية ضريبية تعدّ من أبرز الأسباب التي أوصلت لبنان إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها اليوم.

يقول مسؤول في شركة استشارية مستقلة في لبنان، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن خريطة البرلمان الذي يتألف من 128 نائباً، تتوزع حالياً في حال دارت "المعركة الرئاسية" بين فرنجية وأزعور على الشكل الآتي: 55 صوتاً مؤكداً لفرنجية، 43 صوتاً ضده، و30 صوتاً ضمن الدائرة الوسطية غير المعروفة، والتي قد تتغير تبعاً للمرشح الذي يقف بوجه فرنجية، إذ إن المعادلة قد تتغير إذا كان قائد الجيش مثلاً بدلاً من أزعور بوجه فرنجية.

ويلفت إلى أن الأطراف الوسطية الضبابية هي نواب تكتل وليد جنبلاط النيابي، ويضم 8 نواب، و12 من صفوف التغييريين، و10 نواب مستقلين. وهناك صوتان نيابيان مثلاً لن يصوتا لأزعور باعتباره محسوباً على السنيورة، رغم أنهما غير مؤيدين لفرنجية، وقد ينتخبان قائد الجيش في حال ترشيحه، من هنا القول باختلاف المعادلة حسب المرشحين.

وحسب القراءة، يقول المصدر، إن سليمان فرنجية بأسوأ حالاته قادر على تأمين 55 صوتاً، وبالتالي من الصعب جداً على أي طرف أن يصل إلى نصاب الانتخاب أي 65 صوتاً إلا بمفاجأة من الأصوات الضبابية.

ويذكّر بأن "المفاجآت دائماً منتظرة، والحسابات تختلف عندما تبدأ الجلسة، ولا يمكن توقعها بشكل نهائي ودقيق، إذ تتغير الأصوات في ربع الساعة الأخير، وهو أمر حصل باستحقاقات عدة، وضع نواب أسماء مرشحين في الدورة الأولى، ثم غيّروا الاسم في الدورة الثانية وقلبوا المعادلة، من هنا لا يمكن التكهن إلا في حال التسوية والاتفاق المسبق على رئيس، وهو أصلاً السيناريو المنتظر تبعاً للتجارب اللبنانية".

تجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب اللبناني عقد أولى جلسات الانتخاب في 29 سبتمبر/ أيلول 2022، قبل أن يصل مجموعها إلى 11 جلسة، آخرها في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، وتكرر فيها جميعاً سيناريو تأمين انعقاد الدورة الأولى، وتصويت "المعارضة" للنائب معوض، في مقابل وضع "حزب الله" وحلفائه، ومعهم كان التيار الوطني الحر، ورقة بيضاء، ومن ثم إسقاط هذا الفريق نصاب الدورة الثانية.

وفي مارس/ آذار الماضي، أعلن بري رسمياً دعم فرنجية، وتبعه في ذلك الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله. وحصل حراك واسع في أكثر من مناسبة داخلياً وبتوافد دبلوماسيين وشخصيات سياسية عربية ودولية إلى لبنان لمحاولة إيجاد خرق في الملف الرئاسي، بيد أنه لم يصل إلى نتيجة، بما في ذلك لقاءات الدول الخمس: قطر، فرنسا، مصر، السعودية، الولايات المتحدة، التي لوّحت بإعادة النظر بعلاقاتها مع لبنان إذا لم ينتخب النواب رئيساً.