وائل نجم - كاتب وباحث

 أقرت اللجان النيابية المشتركة في جلسة عقدتها الخميس (9/3/2017) سلسلة الرتب والرواتب وأحالتها إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي لإقرارها والانتهاء منها، وقد حدّدت اللجان النيابية سقفاً للإنفاق في السلسلة هو ألف ومئتي مليار ليرة لبنانية، ووضعت بعض الضرائب الجديدة على بعض السلع والمواد والمداخيل، لعل أهمّها وأبرزها زيادة نسبة 1% على الضريبة على القيمة المضافة (TVA) لتصبح 11% بدلاً من 10% مع ما يعنيه ذلك من زيادة على كل شيء ستطاول المواطنين كافة دون استثناء، في حين أن «سلسلة الرتب والرواتب» لن يستفيد منها كل المواطنين، بل بعض الموظفين بنسب مختلفة في القطاع العام، في حين أن قطاعاً واسعاً في القطاع الخاص لن يستفيد من السلسلة لأسباب كثيرة ومتعددة، بعضها يعود إلى عدم شمول السلسلة الاجراء والمستخدمين والعمال في القطاع الخاص، وثانياً لأن قسماً من المؤسسات الخاصة لن تعطي زيادات تحت «حجّة وذريعة» أنها غير قادرة على ذلك بالنظر إلى حجم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالقطاع الاقتصادي والمؤسسات في البلد، وبالتالي فهي ستضع العاملين لديها بين خيارين: إما أن يقبلوا بالاستمرار بالعمل وفقاً لشروطها التي تعني عدم تطبيق السلسلة عليهم، وإما الانصراف من العمل والاستغناء عنهم، وبالتالي فهذا سيفاقم حجم معاناتهم، خاصة أن كثيرين مرتبطون بعقود والتزامات كثيرة لها علاقة بالسكن والحياة بشكل عام، ومن هنا فإن الاشكالية في القطاع الخاص ستكون كبيرة، والدولة لا تملك قدرة الإلزام لإعطاء الموظفين حقوقهم، وبالتالي إن قطاعات واسعة من المواطنين ستكتوي بنار هذه السلسلة إذا لم يُصَر إلى تطبيقها على القطاعات كافة في القطاعين العام والخاص، دونما نظر أو اعتبار للتصنيف الذي تختبئ خلفه دائماً الدولة، كـ«ربة عمل» وأرباب العمل من خلال التمييز بين الأجراء والمستخدمين والموظفين. ومن هنا فإن الاتحاد العمالي العام والنقابات العمالية مطالبة اليوم بالتحرك السريع لردم الفجوة التي ستنشأ بين قطاعات العمل في لبنان.
وفي سياق الحديث عن السلسلة،لا بدّ من الحديث عن إقرار الموازنة العامة لعام 2017 التي من المنتظر أن تقرّها الحكومة في اجتماعها المقرر يوم الجمعة (17/3/2017) بعد مراجعة الأرقام وموازنة الوزارات بشكل نهائي، وقد لحظت هذه الموازنة زيادة بعض الضرائب على العديد من السلع والخدمات لتقليص حجم العجز في الموازنة وتأمين خدمة الدين العام، وهذا بالطبع سيطاول الطبقات الفقيرة والمعدمة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، وبغض النظر عن «الأوهام» التي تبيعها القوى السياسية للناس من أن الضرائب لن تنال الفئات الشعبية، وغداً سيكتشف الناس كيف ستطاولهم هذه الضرائب، وكيف سيكتوون بنتائجها.
لا شكّ أن إقرار موازنة عامة للحكومة عموماً وللوزارات والمؤسسات خصوصاً مظهر إيجابي من مظاهر الحكم، بل أساس لا يمكن الاستغناء عنه. أنه من صلب الآليات الناظمة لعمل الحكومات، خاصة أنه يضع السياسة المالية التي تعتمدها الحكومات في عمليات الجباية والصرف، فلا تكون الجباية اعتباطية، ولا يكون الصرف كذلك بهدف تحقيق التوازن الذي يعطي قوة للوضع الاقتصادي. وعليه فإن عمل الحكومة تحت سقف الموازنة يؤكد أن هناك سقفاً في الصرف والإنفاق لكل وزارة من الوزارات، ويؤكد أن هناك آلية لجباية الأموال وتحصيلها، وهذا يريح البلد.
إلا أن الموازنة يجب أن تلحظ أيضاً كيفية تأمين الواردات بحيث تحافظ على التوازن بين دخل المواطن اللبناني من ناحية، وبين النفقات التي يضطر إلى صرفها في كثير من نواحي الحياة، وبالتالي فإن لحظ هذا التوازن والتزام تأمينه يعطي قوة للمواطن من ناحية واستقراراً للاقتصاد من ناحية ثانية، ولكن كما يبدو فإن هذا التوازن غير متوافر في هذه الموازنة لهذه الناحية، فالاعباء المالية والاقتصادية التي يعاني منها المواطن اللبناني كبيرة جداً، وحجم الحد الأدنى للأجور لا ينسجم مع القدرة الشرائية لليرة اللبنانية ولا لدخل المواطن اللبناني، وبالتالي إن أية أعباء مالية إضافية توضَع على كاهل المواطن ستكون بمثابة القشّة التي ستكسر ظهره، ومن هنا لا بدّ من الاخذ في  الاعتبار هذا الموضوع من خلال نظام التقديمات التي يجب أن تتوافر للمواطن، في حال إقرار أية ضرائب جديدة عليه، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، موضوع الكهرباء حيث يدفع المواطن اللبناني في كل أنحاء لبنان فاتورة كهرباء للدولة، وفاتورة أخرى لـ«مولّد كهرباء الحيّ»، وكذلك بالأمر بالنسبة إلى الهاتف الثابت والجوال، وكذلك بالنسبة إلى المياه (مياه الشفة مياه الخدمة المنزلية) وكذلك بالنسبة إلى الطرقات، والاستشفاء، ومستحقات المالية والبلدية وإلخ... من الأمور الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، فكيف لهذا المواطن الذي يئنّ تحت هذه الأعباء أن يتحمّل مزيداً من الضرائب والرسوم في «سلسلة الرتب والرواتب» أو في الموازنة العامة؟
الدولة يمكنها أن تؤمّن موارد جديدة للموازنة من سبل كثيرة لا تؤذي المواطن الفقير والفئات الشعبية، وفي طليعة هذه الأمور وضع حد للفساد من خلال الاستغناء عن جيش من الموظفين في الكثير من إدارات الدولة لا يقومون بأي وظيفة. من خلال ضبط التهريب الذي يمرّ تحت أعين المعنيين في الادارات التي يجب أن تشرف على هذا القطاع. في وضع حد للاعتداء على الأملاك العامة بحرية وغير بحرية. في وضع سلّم ضريبي يطاول الفئات الأكثر ترفاً في البلد. في الجدّية في التعامل مع ملف التنقيب عن النفط والغاز. في سيادة الدولة على قرارها وأراضيها حتى لا تبقى عرضة لتهديد السلم الداخلي وبالتالي «تطفيش» رؤوس الأموال والمستثمرين من البلد.. إلى غيرها من الملفات التي يمكن أن تكون مورداً للمال إلى خزينة الدولة.
اليوم وأمام إقرار «سلسلة الرتب والرواتب» بهذه الصيغة والطريقة، وأمام إقرار الموازنة العامة الاتحاد العمالي العام، والنقابات المعنية، والشعب اللبناني مطالب بالقفز فوق الطائفية والمذهبية والمناطقية والانتماءات السياسية وكل ذلك والوقوف صفّاً واحداً للحفاظ على ذاته أمام رياح الضرائب التي تريد سلْبه ما بقي لديه من قدرة على البقاء.}