قاسم قصير

برزت في الأيام القليلة الماضية سجالات واسعة اعلامياً وسياسياً وشعبياً وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول قضايا الفساد وباخرة الكهرباء التي كان مقرراً ان ترسو في معمل الزهراني، وكذلك حول من يتحمل انقطاع الكهرباء ومشاكل النفايات في الجنوب.
وجاءت هذه السجالات بعد نحو أسبوعين من السجالات التي اثارتها مواقف النائب اللواء جميل السيد بشأن هموم البقاعيين والدخول الى الأسلاك العسكرية والأمنية. وقد توجهت الانظار مجدداً إلى قيادتي حركة أمل وحزب الله، وتم تحميلهما مسؤولية ما يجري من مشاكل وفساد، ما دفع المسؤولين في الحزب والحركة إلى الرد على هذه الحملات وتوضيح الأمور واصدار البيانات المتعددة، وعمدت الحركة الى اقامة اعتصام شعبي وسياسي أمام معمل الزهراني ضد باخرة الكهرباء وللمطالبة بتعزيز فعالية المعمل.
فمن يتحمل مسؤولية ما يجري؟ وهل يستطيع حزب الله وحركة أمل مواجهة الفساد؟ والى أين تتجه الأمور في المرحلة المقبلة؟
من يتحمل المسؤولية؟
بداية ما هي اسباب ما جرى من حملات ونقاشات حول الكهرباء والفساد ومن يتحمل المسؤولية؟
لقد بدأت الحكاية الأخيرة بباخرة الكهرباء التي كان مقرراً أن ترسو أمام مرفأ الزهراني ولتزويد الجنوب بالكهرباء، لكن المسؤولين في حركة أمل رفضوا ذلك، وأعلنوا عدة أسباب لتبرير الرفض، ومنها انهم يريدون تحسين أداء المعمل وزيادة الانتاج ورفض البواخر، لكن هذه المواقف لم تكن مقنعة، حتى إن المسؤولين في حزب الله، وعلى رأسهم النائب محمد رعد، أوضحوا انهم كانوا مع رسوّ الباخرة وتشغيلها، وانهم كانوا على خلاف مع الحركة في هذا الموضوع، لكنهم كانوا حرصاء على وحدة الكلمة وعدم إثارة المشكلات.
لكن مواقف قادة حزب الله وحركة أمل لم تقنع الجمهور العام الذي شنّ حملة واسعة على الاهمال والفساد، داعياً للتحرك السريع لمعالجة الأمور وتلبية حاجات الناس.
وما زاد من حدة الأوضاع، المواقف التي سبق لقادة الحزب (وعلى رأسهم أمينه العام السيد حسن نصر الله) من مواجهة الفساد، وفي ظل تراكم المشاكل التي يعاني منها جمهور الحزب والحركة، ولا سيما في الجنوب والبقاع.
وقد ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في إعطاء الناس الحرية والقدرة على نشر المواقف والمعلومات حول الفساد والدعوة للمحاسبة، وكل ذلك وضع مسؤولي الحركة والحزب في موقع الدفاع والتبرير ، فضلاً عن أن الاحداث التي حصلت في البقاع واثارة بعض الملفات، اضافة إلى تكدّس المشاكل في الجنوب من تراكم النفايات إلى انقطاع الكهرباء وانتشار المعلومات عن الفساد، كل ذلك اوجد حالة من التململ لدى الأوساط الشعبية ولم يعد بالإمكان ضبطها ومنع انتشارها.
إلى أين تتجه الأمور؟
إلى أين تتجه الأمور في الايام القادمة؟ وهل سيستطيع حزب الله وحركة أمل معالجة الأوضاع، أم اننا امام مرحلة جديدة تحتاج لمعالجات جذرية؟
من الواضح ان ازدياد مشاكل الفساد وهموم الناس ستزداد في الفترة المقبلة، والجمهور العام لن يسكت بعد اليوم، خصوصاً بعد الوعود التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بمكافحة الفساد وتشكيل هيئة خاصة لهذه المهمة برئاسة النائب حسن فضل الله، ما يعني ان أصوات الناس سترتفع وسيتم الكشف عن المزيد من الملفات الساخنة والقضايا الحساسة.
والعنصر الجديد في الواقع السياسي والشعبي والاعلامي، هو دخول مواقع التواصل الاجتماعي على الخط وعدم القدرة على ضبط هذه المواقع رغم كل الجهود الحزبية والتنظيمية، إضافة إلى استفادة بعض الجهات المحلية والخارجية من هذه الحملات للضغط على حزب الله وحركة أمل.
إزاء هذا الواقع، فإن أمام حزب الله خيارين: الأول هو التزام وعده بمكافحة الفساد حتى لو اصطدم بحركة أمل بسبب بعض التباينات في بعض الملفات، أو الالتفاف على الحملات من خلال القيام بإجراءات تسكينية لا تحل المشكلات بل تؤجلها.
لكن كلا الخيارين ليس الطريق الصحيح والأسلم، بل إن ما هو مطلوب ان يكون هناك استراتيجية حاسمة ونهائية وواضحة من الحزب والحركة بمواجهة الفساد وتغيير الأوضاع نحو الأفضل والضغط لتحقيق مطالب الناس وعدم الالتفاف عليها، والا فإن الحزب والحركة سيكونان في مواجهة الناس وسيدفعان الأثمان مستقبلاً، وما جرى ويجري في العراق مؤشر مهم إلى كيفية تغير مزاج الناس وابتعادهم عن الأحزاب الطائفية والمذهبية ونزولهم إلى الشوارع، فالأوضاع لم تعد تحتمل، وهناك حاجة ماسة لعلاجات جذرية، وإلا فإن المركب سيغرق بالجميع.}
قاسم قصير