بسام غنوم

تتجه الأزمة الحكومية التي عصفت بلبنان بعد إعلان الرئيس سعد الحريري في الرابع من شهر تشرين الثاني استقالته من رئاسة الحكومة من العاصمة السعودية الرياض الى الحل على الطريقة اللبنانية التقليدية أي «لا غالب ولا مغلوب».
وقد تم التوصل الى هذا «الحل السحري» بعد بدعة التريث الحكومي التي أعلن عنها الرئيس سعد الحريري بعد عودته إلى لبنان من السعودية عبر العاصمة الفرنسية باريس، حيث أعلن الرئيس ميشال عون بعد الاتفاق مع الرئيسين بري والحريري و«حزب الله» عن مشاورات رئاسية مع القوى السياسية المشاركة في الحكومة، وكذلك مع حزب الكتائب، وتوجت هذه المشاورات باجتماع عقد في القصر الجمهوري جمع الرؤساء الثلاثة، وصدور بيان عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية جاء فيه: «أجرى فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مشاورات مع رؤساء وممثلي عدد من الكتل النيابية، للبحث في السبل الآيلة الى معالجة الأوضاع التي نشأت عن إعلان دولة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري استقالة الحكومة ثم تريثه في المضي بها بناء على طلب فخامة الرئيس.. وقد توافق خلالها المشاركون على النقاط الأساسية التي تم البحث فيها، والتي ستعرض على المؤسسات الدستورية». وقد جرى اعتبار هذا البيان الذي صدر عقب المشاورات الرئاسية بمثابة طيّ رسمي للأزمة الحكومية التي عاشها لبنان بعد إعلان الرئيس سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة في الرابع من شهر تشرين الثاني من العاصمة السعودية الرياض. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل انتهت الأزمة الحكومية فعلياً أم أن هناك تردادات للاستقالة يجب الإجابة عليها؟
الحديث عن عودة الأمور في لبنان الى ما كانت عليه قبل الرابع من شهر تشرين الثاني فيما يتعلق بالشأن الحكومي كما تروّج أوساط فريق 8 آذار ربما يكون سابقاً لأوانه.
فالرئيس سعد الحريري بعد ساعات من لقاءات القصر صرح في حديث مع شبكة «سي نيوز» الفرنسيّة بأن على «حزب الله» أن يتوقف عن التدخل خارجياً، وأن يقبل سياسة «الحياد» من أجل وضع نهاية للأزمة السياسية. وأضاف قائلاً: «لا أريد حزباً سياسياً في حكومتي يتدخل في دول عربية ضد دول عربية أخرى»، وقال: «أنا في انتظار الحياد الذي اتفقنا عليه في الحكومة... لا يمكننا أن نقول شيئاً ونفعل شيئاً آخر».
ويكشف هذا الحديث اللافت للرئيس سعد الحريري بعد المشاورات الرئاسية أن الرجل متمسك بالحكومة القائمة وبعودة الاستقرار الحكومي، لكنه يريد سلوكاً سياسياً مختلفاً من «حزب الله» فيما يتعلق بتدخلاته في سوريا واليمن وغيرها، وقد أكد انه«في انتظار الحياد الذي اتفقنا عليه في الحكومة»، أي أنه يريد إحياء التسوية السياسية مجدداً مع «حزب الله» لكن بصورة فعلية وجادة وبعيداً عن سياسة التشاطر اللبناني» التي كانت متبعة طوال الفترة السابقة من عمر الحكومة، والتي أوصلت لبنان واللبنانيين الى إعلان الاستقالة من الرياض.
وتبدو المقاربة السياسية للوضع الحكومي كما يطرحها الرئيس سعد الحريري قابلة للحياة، خصوصاً في ظل تأكيده سابقاً «ان حزب الله قضية إقليمية أكبر منا».
لكن هل يقبل «حزب الله» أن يدفع ثمن عودة الرئيس الحريري عن استقالته عبر «الانسحاب من الصراعات الإقليمية» كما طالب الرئيس الحريري؟
الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة بـ«الصراعات الإقليمية» التي يشارك فيها «حزب الله» أولاً، وبعلاقة «حزب الله» بهذه الصراعات ثانياً، وبالموقف الإيراني ثالثاً، وبقرار «حزب الله» في تبني شعار«لبنان أولاً».
فبالنسبة لـ«حزب الله» فإن «إيران وحزب الله.. هما رأس الحربة في مواجهة مشاريع الهيمنة والسيطرة على المنطقة» كما يقول مسؤول العلاقات العربية في حزب الله الشيخ حسن عز الدين، وبالتالي فإن قرار الانسحاب من الصراعات الإقليمية من أجل المحافظة على الحكومة القائمة كما يطالب الرئيس سعد الحريري غير وارد على الإطلاق.
فالحزب يعتبر مشاركته في القتال في سوريا الى جانب نظام بشار الأسد دفاعاً عن «محور المقاومة» في مواجهة المخططات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، ويعتبر تأييده لقضايا اليمن والبحرين واجباً شرعياً، وهو كما أكد أمينه العام السيد حسن نصر الله أكثر من مرة أن «حزب الله» سيكون حيث يجب أن يكون» دفاعاً عن «محور المقاومة» حتى لو اضطر هو شخصياً وقيادة حزب الله الى المشاركة في القتال، وبالتالي فإن ما يطرحه الرئيس سعد الحريري لناحية «الحياد عن صراعات المنطقة» من أجل البقاء على رأس الحكومة غير قابل للصرف عند «حزب الله». لكن هل هذا يعني أن الأمور غير قابلة للحل وأن لبنان متجه الى أزمة سياسية خانقة بعد فترة قريبة؟
الأوساط السياسية المقربة من تيار المستقبل و«حزب الله» تنفي ذلك، وهناك حديث عن هدية سياسية قد يقدمها «حزب الله» للرئيس سعد الحريري عبر إعلان الحزب عن انسحاب قواته من سوريا بعدما أعلن سابقاً عن «سحب مستشاريه» من العراق بعد إعلان الحكومة العراقية القريب الانتصار على «داعش»، ويبدو أن فرنسا بالتعاون مع إيران تعمل على ايجاد هذا المخرج السياسي في ضوء تطورات الوضع العسكري والسياسي الجديد في سوريا.
على كل حال، السياسة في لبنان «رمال متحركة» كما يعلم الجميع، فقد ننام على خبر ونصحو على خبر آخر، وبانتظار نتائج الحركة السياسية الجارية حالياً، نرجو أن يحفظ الله لبنان واللبنانيين.}