بسام غنوم

يبدو أن التسوية السياسية التي جاءت بالعماد عون رئيساً للجمهورية في 31/10/2016، والرئيس سعد الحريري رئيساً لحكومة استعادة الثقة في 26/12/2016 ما زالت سارية المفعول رغم كل الضجيج الذي رافق الانتخابات النيابية التي جرت في السادس من شهر أيار الماضي، والذي تبين منه ان الصراع كان مجرد شعارات وكلام في الهواء من أجل شد العصب الطائفي والمذهبي لكي يحصل كبار اللاعبين في الساحة السياسية على أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، وهو ما تحقق فعلاً، مع استثناء بسيط تمثل بتقلص الكتلة النيابية لتيار المستقبل، مع انه كان أكثر من رفع شعارات «الخطر الفارسي» الذي يهدد عروبة بيروت، والذي كان يترافق دائماً مع الحديث عن «حماية أهل السنّة» وما الى ذلك من شعارات سرعان ما تداعت عند عتبة المصالح السياسية. وأبرز دليل على ذلك، مرسوم التجنيس الأخير الذي أعطى الجنسية اللبنانية لـ360 شخصاً غالبيتهم من المسيحيين ومن المؤيدين للنظام السوري، ومع ذلك اعتبر الرئيس سعد الحريري أن «من لديه اعتراض على المرسوم فليتوجه الى القضاء»، وأضاف: «هل كل مسألة عندكم تخضّ البلد؟ يجب ألا نعمل من كل حبة قبة» وأكد أن «لرئيس الجمهورية الحق بإصدار المراسيم».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ما زالت التسوية الرئاسية سارية المفعول كما كانت الحال يوم 31/10/2016 حين انتخب الرئيس عون رئيساً للجمهورية؟
خلال الانتخابات النيابية التي جرت في السادس من شهر أيار الماضي ظهر على الساحة السياسية خطاب انتخابي يحمل لبوس الصراعات الإقليمية الدائرة في المنطقة بين السعودية وإيران. وإذا كان «حزب الله» قد رفع شعار حماية المقاومة سياسياً في الانتخابات أو عبر الانتخابات، فإن تيار المستقبل رفع شعار حماية عروبة لبنان واللبنانيين في وجه «الخطر الفارسي» الذي يهدد عروبة لبنان عامة وعروبة بيروت خاصة، وكان شعار الدفاع عن أهل السنّة في لبنان حاضراً بقوة في كل الخطابات السياسية للرئيس سعد الحريري ومسؤولي تيار المستقبل في كل المناطق اللبنانية، ابتداءً من بيروت مروراً بالشمال وصولاً الى البقاع والجنوب، وهو ما أوحى كأن فترة ما بعد الانتخابات ستكون مختلفة تماماً عما قبلها، سواء من حيث الخطاب السياسي أو الأداء الحكومي عن فترة التسوية الرئاسية، أولاً لأن الوضع الداخلي تغيّر في ضوء المتغيرات الدائرة في المنطقة، وثانياً لأن الصراع السعودي - الإيراني المحتدم في الإقليم ستكون له ارتدادات كبيرة على الواقع اللبناني.
إلا أنه يبدو أن شيئاً من ذلك لم يحدث في لبنان حتى الآن، فالتسوية الرئاسية التي جاءت بالعماد عون رئيساً للجمهورية، والرئيس الحريري رئيساً للحكومة، عبر التعاون والتنسيق مع «حزب الله»، ما زالت سارية المفعول، وربما بقوة وفعالية أكثر من السابق، وهو ما عُبِّر عنه أولاً في الموافقة على صفقة بواخر الكهرباء التي كانت محل اعتراض من «حزب الله» وحركة أمل قبل الانتخابات النيابية، وعبر مرسوم التجنيس الأخير الذي جرت الموافقة عليه في 11 أيار الماضي، والذي تزامن مع آخر جلسة لمجلس الوزراء الذي أقر صفقة بواخر الكهرباء المثيرة للجدل.
وتكشف ردود الرئيس سعد الحريري على المعترضين على مرسوم التجنيس التي طالب فيها المعترضين بـ«اللجوء إلى القضاء» وانه «يجب آلا نعمل من كل حبة قبة»، وتأكيده أن «لرئيس الجمهورية الحق بإصدار المراسيم»، أن التسوية الرئاسية ما زالت قائمة بقوة وفعالية أكبر وأكثر من يوم انطلاقها الذي انتُخب فيه الرئيس عون رئيساً للجمهورية، فالرئيس سعد الحريري الذي يعمل على تشكيل الحكومة الجديدة لا يبدو والرئيسين عون وبري في عجلة من أمرهم، والدليل على ذلك أن الاجتماع الرئاسي الثلاثي الذي عقد في قصر بعبدا يوم الاثنين الماضي لم يبحث الموضوع الحكومي كما هو مفترض، بل بحث موضوع الحدود الجنوبية، وتحديداً المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية التي تجرى بواسطة الأمم المتحدة لتصحيح الحدود في النقاط المتنازع عليها، في ضوء نيّة «إسرائيل» بناء جدار اسمنتي على طول الحدود الجنوبية، وهو ما أكده الرئيس سعد الحريري رداً على سؤال عن بحث الموضوع الحكومي في لقاء الرؤساء الثلاثة في قصر بعبدا، فقال إنه «لم يتم الحديث عن الحكومة، وانما عن الحدود، وهذا الاجتماع جاء بطلب من الرئيس عون لتوحيد الأفكار حول هذا الموضوع»، مشيراً الى أن «الأجواء إيجابية»، أما بالنسبة الى تأليف الحكومة فقال: «هناك إيجابيات ونأمل أن تستمر».
باختصار، التسوية الرئاسية ما زالت سارية المفعول، يؤكد ذلك المسار السياسي القائم حالياً، الذي يبدو أنه لم ولن يختلف عن فترة ما قبل الانتخابات النيابية، وقد نقلت صحيفة الجمهورية عن مرجع كبير استبعاده حصول أي إشكالات بشأن البيان الوزاري، وخصوصاً في ما يتصل بالبند المتعلق بالمقاومة، حيث قال: «لا أعتقد أن البيان الوزاري سيخرج عن نص وجوهر البيان الوزاري لـ«حكومة استعادة الثقة»، بل قد يستنسخه حرفياً...»، وكل انتخابات وأنتم بخير يا أيها اللبنانيون.}