العدد 1363 / 22-5-2019
بسام غنوم

في خضم المناقشات الماراتونية لمشروع موازنة العام 2019 والمستمر منذ شهر ونصف , في ظل تحركات نقابية لموظفي القطاع العام وللعسكريين المتقاعدين رفضاﹰ للمس برواتب ومكتسبات المتقاعدين وموظفي القطاع العام , تلقى لبنان دعوة من المملكة العربية السعودية للمشاركة في الدورة العربية الرابعة عشرة لمؤتمر القمة الاسلامية التي تعقد في مكة المكرمة في 31 آيار الجاري لمدة يومين ، وبناء على هذه الدعوة قرر مجلس الوزراء المشاركة في القمة بوفد رسمي يترأسه رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري .

ويبدو ان قرار مشاركة لبنان في القمة الاسلامية في مكة المكرمة قد تم الموافقه عليه من حيث المبدأ دون الدخول في تفاصيل الموقف اللبناني من القرارات التي ستتخذها القمة لأن مجلس الوزراء منهمك بمناقشات مشروع موازنة العام 2019 .

لكن في نظرة سريعة الى الاسباب الموجبة التي دعت الى عقد هذه القمة الطارئة والتي ربطت بالاحداث التي تشهدها منطقة الخليج العربي خصوصاﹰ في ظل التوتر المتصاعد بين اميركا وايران في المنطقة وبعد تتالي الاحداث على نحو مقلق في الخليج العربي وبعد استهداف اربعة سفن قرب ميناء الفجيرة ، وكذلك موقعاﹰ نفطياﹰ سعودياﹰ بطائرات مسيرة من قبل الحوثيين ، واخيراﹰ اعلان السعودية عن اسقاط صاروخين بالستيين كانا يستهدفان مكة المكرمة من قبل الحوثيين ، يعني كل ما سبق ان لبنان امام تحدي سياسي كبير في القمة العربية والاسلامية ، وقد يترتب على موقف لبنان في القمة تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة في حال لم يكن الموقف اللبناني منسجماﹰ مع المواقف والقرارات التي ستتخذ في القمة الطارئة في مكة المكرمة .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ماذا سيكون موقف لبنان في قمة مكة المكرمة ، وهل سيكون الموقف اللبناني تكراراﹰ لمواقفه في القمم العربية والاسلامية السابقة ؟

في البداية لا بد من الوقوف عند الأسباب التي دعت لعقد هذه القمة ، والتي يمكن تلخيصها بحسب الدعوة السعودية ﺑ "الخطر الداهم الذي يتربص المنطقة ، وتحديداﹰ الاعتداءات التي طاولت مؤخراﹰ منشآت نفطية قرب الرياض وتخريب السفن في ميناء الفجيرة الاماراتي ، وصولاﹰ الى ما يحصل في سوريا والعراق والسودان وفلسطين" ، ويمكن -اضافة الى ما سبق- التوتر الأميركي – الايراني في منطقة الخليج العربي الذي وصل الى درجة حشد الاساطيل وحاملات الطائرات , وكذلك اعادة انتشار القوات الأميركية في مياه الخليج والقواعد العسكرية في دول الخليج بعد موافقة هذه الدول على مطلب الولايات المتحدة الأميركية بهذا الخصوص .

هذا يعني ان المنطقة على شفير الهاوية , وان كل الاحتمالات واردة رغم اعلان ايران والولايات المتحدة الاميركية انهم لا يريدون حرباﹰ في الخليج قد تكون نتائجها مدمرة على مختلف الأطراف ، وستكون لها انعكاسات على العالم اجمع .

في ظل هذه المخاطر الكبيرة في المنطقة والتي دعت السعودية للدعوة الى عقد قمة طارئة تسبقها قمة بين دول مجلس التعاون الخليجي ، هل سيبقى لبنان على مواقفه السابقة في القمم العربية والاسلامية ؟

منذ اندلاع الاحداث في سوريا في شهر آذار 2011 عقدت عدة قمم عربية واسلامية , كان الموقف الرسمي اللبناني يميل فيها الى سياسة النأي بالنفس عن الصراع في سوريا خشية من انتقال الصراع الى الساحة اللبنانية ، وكان هذا الموقف اللبناني محل قبول من الدول العربية .

لكن مع استلام الرئيس ميشال عون رئاسة الجمهورية في 31 تشرين اول 2016 بعد تسوية سياسية مع الرئيس سعد الحريري وموافقة "حزب الله" على هذه التسوية أخذ الموقف السياسي اللبناني بالتبدل ازاء الصراع في سوريا ، واصبح منحازاﹰ اكثر الى ما يسمى ﺑ "محور الممانعة" ، وفي كل قمة كانت تعقد بعد هذا التاريخ كان لبنان يطالب "بعودة سوريا الى الحضن العربي" , حتى ان الرئيس عون اعتبر قبل القمة العربية الأخيرة التي عقدت في تونس ان "الربيع العربي هو أقرب الى الجهنم العربي" واشار في حديث مع القناة الوطنية التونسية الى ان "سوريا كانت توصف بأنها قلب العرب النابض ، فماذا فعلنا بهذا القلب" ؟

وقد كانت هذه المواقف الجديدة للبنان محل استياء من قبل أكثرية الدول العربية وخصوصاﹰ الخليجية لأنها لاتعكس سياسة النأي بالنفس المعلنة من قبل الحكومة اللبنانية ، ولذلك وفي ظل المواجهة المفتوحة مع ايران في الخليج فان السعودية ودول الخليج العربي لن تقبل من لبنان تكرار مواقفه السابقة لجهة خصوصية وضعه وظروفه التي يعلمها الجميع بالنسبة للوضع في سوريا وكذلك بالنسبة لايران في ظل هيمنة "حزب الله" على القرار السياسي اللبناني ، وهو ما سيضع لبنان اما تحدّ كبير قد يكون اخطر بكثير من التحديات التي واجهها خلال الأزمة السورية طوال السنوات السابقة .

فهل سيرتقي الموقف اللبناني الى مستوى الانسجام مع الموقف العربي من الصراع مع ايران , ام سيعمل على تبني مواقف اقرب الى ما يسمى ﺑ "محور الممانعة" تحت عنوان خصوصية الموقف اللبناني الداخلي ؟

في كلتا الحالتين سيدفع لبنان ثمناﹰ باهظاﹰ .. فهل سيكون لبنان قادراﹰ على دفع هذا الثمن ؟

بسام غنوم