وائل نجم

 استطاع المجلس النيابي في جلسته التي عقدها يوم الثلاثاء الماضي إقرار «سلسلة الرتب والرواتب» للقطاع العام والمتقاعدين في القطاعات العسكرية والمعلمين في القطاع الخاص، مع إدخال إصلاحات معيّنة على بعض مواد السلسلة، ومع تقسيط بعضها، وإقرار يوم عطلة إضافي هو يوم السبت لتوفير بدلات النقل عن هذا اليوم على الخزينة، وزيادة دوام العمل الرسمي إلى الساعة الثالثة والنصف يومياً مع الأخذ بالاعتبار إعطاء الموظفين المسلمين ساعتي راحة يوم الجمعة لأداء فريضة الصلاة، وقد اعتبر وزير المال، علي حسن خليل، هذه الخطوة إنجازاً مهماً للحكومة والمجلس النيابي وحتى للموظفين الذين انتظروا هذه الخطوة سنوات عديدة.
والحقيقة أن كل القوى السياسية كانت متفقة في ما بينها على إنصاف الموظفين في القطاع العام، وحتى الاجراء والمستخدمين والعمال في القطاع الخاص من خلال إقرار «سلسلة الرتب والرواتب»، ومن خلال المطالبة بزيادة أجور الطبقة العاملة، خاصة أن الوضع المالي والاقتصادي للمكلّف اللبناني في الحضيض، وأن معظم هذه الطبقة تعيش حالة من الاهتراء والمديونية، والجميع يدرك أن رواتب هذه الفئة لا يكاد يكفي حتى منتصف الشهر، وبالتالي فإنه لا خلاف على موضوع إقرار «سلسلة الرتب والرواتب»، التي يجب أن يتبعها تصحيح الأجور في القطاع الخاص، حتى لا تكون هناك فروقات بين العاملين في القطاع العام من الموظفين، وبين العاملين في القطاع الخاص من الأجراء والعمّال والمستخدمين، فهذا من شأنه أن يولّد نوعاً من مشاعر الكراهية والبغض ويؤسس لحالة من الفوضى والفساد وعدم الاستقرار، وأظن أن المسؤولية الآن تقع على عاتق القوى النقابية المستقلة التي يجب أن تفتح ملف الأجور، وأن ترفع الصوت عالياً مدوياً مطالبة بتصحيح هذه الأجور وإنصاف العمّال والاجراء والمستخدمين.
ولكن الحقيقة الأخرى هي في طرق وسبل تمويل «سلسلة الرتب والرواتب» التي أقرها المجلس النيابي. فإذا كان الجميع متفقين على إقرار السلسلة فإن الخلاف كبير بينهم على طرق وسبل ومصادر تمويل هذه السلسلة.
رئيس الحكومة سعد الحريري رفض إقرار السلسلة إذا لم يُصَر إلى تأمين مصادر التمويل مسبقاً، لأنه يدرك استحالة دفع تلك الأرقام من مالية الدولة من دون تأمين واردات بديلة.
ورئيس الجمهورية ميشال عون طلب مناقشة واقرار الموازنة العامة قبل الخوض في موضوع السلسلة، لأن أرقام السلسلة لا بدّ أن تدرج في الموازنة، وإذا لم يكن هناك توازن بين الواردات والنفقات، فإن هذا الميزان يختلّ، وبالتالي يولّد نوعاً من المشاكل الاقتصادية التي قد يكون حلّها صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
والكثير من القوى السياسية رفضت تمويل السلسلة من طريق فرض مزيد من الضرائب على المواطنين، وطالبت بتمويلها من طريق وقف الهدر والفساد، وضبط الحدود الجمركية، واستعادة الاستثمار في الاملاك البحرية، إلى غيرها الكثير من أبواب الهدر والفساد المعروفة التي يعاني منها اللبنانيون في كل الادارات.
وفي مقابل ذلك، تصرّ فئة من القوى السياسية المستأثرة والمتحكمة باللجوء إلى فرض مزيد من الضرائب على المواطنين بطرق مباشرة أو غير مباشرة لتمويل السلسلة، وهي بذلك تريد أن تعطي الموظفين في القطاع العام بيد، وتأخذ من الاجراء والمستخدمين والعمّال في القطاع الخاص بيد أخرى، فيما يبقى الفساد والمحسوبية والاحتكار من نصيبها الذي يتركها طليقة اليد في الإدارات التي تزيدها غنى ونفوذاً مالياً وإدارياً.  
ليس المهم إقرار «سلسلة الرتب والرواتب» على أهمية ذلك بالنسبة إلى الموظفين في القطاع العام والمعلمين في القطاع الخاص. كذلك ليس المهم أن يصار غداً إلى إعطاء زيادة عبر تصحيح الأجور بالنسبة إلى الاجراء والمستخدمين والعمال في القطاع الخاص، ولكن العبرة والمهم في طرق ومصادر تمويل أية زيادة أو «سلسلة رتب ورواتب»، لأن العبرة في جيوب المواطنين والحفاظ على قدرتهم الشرائية وليس في أي شيء آخر.}