وائل نجم كاتب و باحث

 لطالما انتظر اللبنانيون انتخاب رئيس للجمهورية من أجل إعادة تفعيل عمل المؤسسات وانتظامها وانطلاق ورشة العمل من جديد، وقد استبشروا خيراً بعد انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، باعتبار أنه من دعاة قيام المؤسسات، فضلاً عن إصلاحها وتحديثها وتطويرها لمواكبة حركة التطور التي يشهدها العالم، وقد علّقوا الآمال على تفعيل هذه المؤسسات بما ينسجم مع القانون والمواد الدستورية الناظمة، وبما يحافظ على صلاحيات كل منها، وهو دور أساسي لرئيس الجمهورية الذي على عاتقه، وفقاً للدستور ولوثيقة الوفاق الوطني، تقع عملية حفظ التوازن بين المؤسسات، أو حتى السلطات، وإن كان البعض يعتبر رئاسة الجمهورية جزءاً من السلطة التنفيذية. والحقيقة أن قيام كل سلطة، وكل مؤسسة من مؤسسات الدولة بما أناطه بها الدستور والقانون يريح الجميع، ولا يترك مجالاً لهيمنة واحدة على أخرى، وبالتالي لا يدع مجالاً للخلافات التي غالباً ما تقف حجر عثرة أمام قيام المؤسسات بدورها وواجبها، وهو ما يجعل عمل الدولة أسير ازدواجية هنا، واستنسابية هناك، ومزاجية هنالك.
الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية ميشال عون على رأس وفد وزاري للمملكة العربية السعودية ودولة قطر كانت فرصة حقيقية لإعادة تطبيع العلاقات مع الاشقاء العرب. وشكّلت مدخلاً لعودة التعاون بين لبنان ومحطيه العربي، وكرّست هذا الانتماء المقدّم على ما سواه من علاقات أخرى، وأعادت أجواء الثقة التي كانت سائدة بعدما أزالت الالتباس الذي  غشي العلاقات اللبنانية الخليجية تحديداً في ضوء بعض المواقف التي صدرت عن الحكومة السابقة، وفي كل ذلك، وبكل تأكيد، مصلحة للبنان. إلا أن الشيء اللافت في هذه الزيارة، بل غير الطبيعي، أن يغيب، أو يُغيّب عنها رئيس الحكومة، سعد الحريري، سواء كان ذلك بقرار من رئيس الجمهورية، أو بطلب من الرئيس الحريري نفسه، أو بإشارة من الجهة المضيفة.  
وإذا أردنا أن نقف عند هذه الاحتمالات فلا يمكننا إلا أن نستثني الاحتمال الثاني، خاصة أن الرئيس الحريري يعنيه ويهمّه كثيراً أن يعيد تفعيل علاقاته بالمملكة العربية السعودية من بوابة وجوده في سدة رئاسة الحكومة، وعلى الأخص أن الفترة الماضية شهدت بعض الفتور في العلاقة بينهما، وأكثر من ذلك يعتبر هو عرّاب انتخاب الرئيس عون لرئاسة الجمهورية، وبالتالي فقد كان يعنيه – بحسب رأي – أن يكون من ضمن عداد الوفد الرئاسي إلى المملكة وإلى قطر، ولذلك فإن احتمال أن يكون الرئيس الحريري قد طلب عدم المشاركة في الوفد يظل مستبعداً.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاحتمال الثالث المتصل بأي إشارة يمكن أن تكون قد صدرت عن الجهة المضيفة (المملكة) لعدم اصطحاب الرئيس الحريري في هذا الزيارة. فالمملكة ليست على خصومة أو جفاء مع الحريري، وإن كانت العلاقة في الفترة الأخيرة قد شهدت بعض الفتور، وعليه أيضاً يظل هذا الاحتمال مستبعداً.
ويظل الاحتمال الأول، وهو المتصل بقرار من رئيس الجمهورية بعدم مشاركة الحريري في الوفد الرئاسي إلى الرياض والدوحة، وهو الارجح، خاصة أن رئيس الجمهورية يعتبر أن نسج العلاقات الخارجية، وإدارة ملفها، هو حق حصري مناط برئاسة الجمهورية، وينظر إلى أن العهود السابقة منذ الطائف فرّطت بهذا الحق والاعتبار، وبالتالي هو لا يريد تكريس هذا العرف (التفريط) منذ الزيارة الأولى التي يقوم بها إلى الخارج، ولذلك فإنه قد يكون استبعد الحريري من المشاركة بالوفد حتى يعطي انطباعاً ويكرس ما يراه دستوراً بحصر صلاحية العلاقات الخارجية برئاسة الجمهورية. وقد يكون هذا من الصلاحيات التي أنيطت بالرئاسة الأولى وفق تفسير بعض المواد الدستورية والقانونية، ومن دون أن يعني ذلك الجزم بها.
وهنا لا بدّ من العودة إلى تفعيل المؤسسات، واحترام الصلاحيات، قبل أن يستفحل الأمر ويتحوّل إلى خلاف جديد قد يكون أكثر سلبية من كل الخلافات السابقة.
وإذا كان من حق الرئاسة الأولى حصر صلاحية العلاقات الخارجية بها، فهو لا يعني بالطبع تغييب الحكومة، ورئيسها من باب أولى، عن أي لقاءات أو زيارات خارجية. لأن من شأن ذلك أن يفتح الباب إلى الحديث عن عقد الحكومة لجلساتها في مقر خاص بمجلس الوزراء، وليس في قصر بعبدا ولا في السراي الحكومي، فضلاً عن أمور أخرى تتصل بهذا الشيء، كما يفتح الحديث عن حصرية دعوة رئيس الحكومة لمجلس الوزراء للانعقاد بدعوة منه، فضلاً عن حصرية وضع جدول الأعمال أيضاً، وهذا كله بالطبع من عمل المؤسسات وتفعيلها.
الخطوة التي قام بها الرئيس الحريري بدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد في السراي الحكومي في ثاني جلسة له، قد تكون رداً لطيفاً على عدم حضوره في زيارة المملكة، ولكن نأمل أن لا يصار إلى افتعال إشكالات تعوق العهد الجديد عن الانطلاق بخطى واثقة وايجابية تنهي حالة شبه العزلة التي كانت مفروضة على لبنان عربياً، وتشكل مقدمة للانطلاق بعمل مؤسساتي حقيقي يعيد بناء الثقة بالدولة والعهد للخروج من هذا التيه.