بسام غنوم

دخل النقاش حول قانون الانتخاب مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن الأجواء التي كانت سائدة عشية انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.
فبعدما كانت كل القوى السياسية تبدي انفتاحاً على مناقشة قانون جديد للانتخابات يعتمد بشكل أو بآخر على وجه من وجوه النسبية، سواء عبر القانون المختلط بين الأكثري والنسبي الذي كان يتبناه «تيار المستقبل» وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وقانون المناصفة بين النسبي والأكثري الذي يحمل لواءه الرئيس نبيه بري، أو النسبية الكاملة التي يرفع شعارها «حزب الله»، تغيرت الأجواء بشكل كامل واستدارت المواقف بنسبة 180 درجة باتجاه قانون الستين الذي أصبح مطلب البعض بصورة مباشرة مثل الحزب التقدمي الاشتراكي الذي رفض رئيسه النائب وليد جنبلاط إجراء الانتخابات النيابية المقبلة إلا بناءً على قانون الستين، باعتبار أن النسبية لا تناسب الوضع القائم في لبنان حسب رؤية النائب جنبلاط.
أما تيار المستقبل، فقد عبّر عن تمسكه مجدداً بقانون الستين، وأعلن الرئيس سعد الحريري رفضه للنسبية، «لأن من غير المعقول أن نوافق على قانون يلغي وجودنا»، كما قال الرئيس سعد الحريري رداً على سؤال عن اعتماد قانون قائم على النسبية في الانتخابات القائمة.
أما باقي القوى السياسية، فقد عبر عن موقفها صراحة وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قال: «ان قانون الستين مرفوض من قبل الجميع علناً، وربما هو مرغوب فيه بشكل سري عند الكثير من القوى السياسية».
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تحصل الانتخابات النيابية القادمة وفق قانون الستين أم يجري التوصل الى قانون آخر قبل العشرين من شهر شباط القادم؟
قبل الحديث عن إجراء الانتخابات النيابية القادمة على أساس قانون الستين أو غيره من القوانين الانتخابية، ولا سيما تلك التي تعتمد على نظام النسبية بشكل أو بآخر، لا بدّ من التوقف أولاً عند بعض الأجواء التي سبقت التوافق على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.
في هذا الإطار ذكرت مصادر قيادية في «حزب الله» في مجلس خاص أن الحوار السياسي الذي كان قائماً بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر عبر نادر الحريري والوزير جبران باسيل، كان يتحدث عن صفقة سياسية كاملة تتضمن أولاً انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، والاتفاق على التعيينات الإدارية والأمنية، في مقابل ضمان رئاسة الحكومة للرئيس سعد الحريري وإجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الستين. هذه التسوية التي سبقت انتخاب العماد عون يبدو أنه يجري العمل عليها بحذافيرها.
فبعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية كُلِّف الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة، بعد موافقة علنية مسبقة على هذا التكليف من السيد حسن نصر الله، وتلا ذلك تشكيل حكومة العهد الأولى بزمن قياسي لا يتجاوز الشهر، مع إقرار للبيان الوزاري للحكومة دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى سلاح «حزب الله» وتدخله في الشأن السوري وغير السوري.
وبعد نيل الحكومة الثقة كانت فاتحة أعمالها التوافق على مراسيم النفط في وقت قياسي، كذلك أُنجزت بعض التعيينات الإدارية في إدارات الدولة، وأقيل المدير العام لأوجيرو عبد المنعم يوسف من منصبه، وكُلِّف عماد كريدية مكانه. وهذا المطلب، أي اقالة عبد المنعم يوسف من منصبه، كان أحد المطالب الرئيسية للتيار الوطني الحر.
واليوم يجري العمل على الموازنة الجديدة لعام 2017، ويقال إن موضوع حسابات الـ11 مليار دولار العائدة لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة قد أُنجِز بنسبة 90 في المئة، وبذلك يزول العائق الذي كان يمنع سابقاً إقرار موازنات الأعوام السابقة.
باختصار، كل ما يجري حالياً على الساحة السياسية والحكومية هو جزء من الاتفاق السياسي الذي أُنجز بين «حزب الله» وتيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وقانون الستين هو أحد بنود هذا الاتفاق الذي كان الرئيس سعد الحريري مصراً عليه، لأنه يعتقد أن اعتماد النسبية في أي قانون للانتخاب في أي صيغة من الصيغ المطروحة حالياً سوف يؤدي الى تقليص كتلة المستقبل النيابية، وهو ما يعني إضعاف تيار المستقبل سياسياً ونيابياً.
لكن لماذا يرفض «حزب الله» قانون الستين علناً ويؤيده ضمناً؟
في هذا الإطار، يمكن التوقف عند عدة نقاط، ومنها أن تيار المستقبل بوضعه الحالي يمثل ضمانة سياسية سنّية لـ«حزب الله» في وجه باقي القوى السنّية، ولا سيما الإسلامية، التي ترفض تدخل «حزب الله» في الشأن السوري.
فتيار المستقبل، رغم أنه يرفع شعار رفض سلاح «حزب الله» وينتقد تدخله في سوريا، إلا أنه على تناغم مع «حزب الله» على الصعيد الداخلي، سواء في ما يتعلق بالعمل الحكومي، وبالإجراءات الأمنية التي تطاول المتهمين بـ«الإرهاب»، فضلاً عن قبوله بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية رغم الرفض السياسي والشعبي.
ومن النقاط المهمة أيضاً استعداد تيار المستقبل لتقديم مزيد من التنازلات السياسية تحت شعار منع الفتنة السنّية - الشيعية في سبيل الحفاظ على وجوده في السلطة السياسية .
لذلك يمكن القول إن الانتخابات النيابية القادمة ستجري بناءً على قانون الستين، ولا مجال لإجرائها وفق أي قانون آخر، لأن ذلك جزء من التسوية السياسية التي انهت الفراغ الرئاسي، ولأن مصلحة الجميع في بقاء الوضع على ما هو عليه حالياً.