وائل نجم

قبل الحديث عن عودة العلاقات الطبيعية بين لبنان وسورية (النظام السوري) لا بدّ من التذكير بأن هذه العلاقات لم تنقطع أصلاً، بل تأثّرت بالأحداث والأزمة التي عصفت بسورية والشعب السوري بعد ثورته التي أرادها خطوة للتحرر وإطلاق الديمقراطية الحقيقية في البلاد من خلال إرساء نظام حكم مدني ديمقراطي تعدّدي وتداولي على السلطة، ويتكافأ فيه السوريون مع بعضهم بالحقوق والواجبات.
كما لا بدّ من التذكير بأن السفير اللبناني ظلّ مقيماً في دمشق، والسفير السوري ظلّ أيضاً في بيروت، وقنوات التواصل، خاصة عبر الأمن العام لم تنقطع بين الجانبين، وقد قاد الأمن العام اللبناني سلسلة مبادرات كان لها وقع إيجابي على كثير ممن كانت تعنيهم، وخاصة في إطلاق سراح العديد من المخطوفين لدى طرفي النزاع في سورية، وكذلك تأمين نجاح بعض مبادرات التفاوض بين الجانبين كما جرى في مرحلة من المراحل في منطقة جرود بلدة عرسال. المهم في المسألة أن العلاقات ظلّت قائمة، وظلّ بعض الوزراء يترددون إلى دمشق، وإن كانت هذه العلاقة قد تأثرت، كما أسلفنا، بالأحداث والأزمة التي ما زالت تعصف بالموضوع السوري، ولم تنتهِ كما يظن ويتوهم الكثيرون. وتأثّر العلاقة بين الطرفين شيء طبيعي، خاصة في ظل المعاناة التي عاشها الشعب السوري، وتأثر لبنان بذلك.
اليوم، وقبل فترة وجيزة بدأت بعض الأطرف السياسية وحتى الرسمية تطلق بعض المواقف التي تطالب بإعادة العلاقات اللبنانية السورية إلى طبيعتها السابقة، وكأن شيئاً لم يحصل في سورية، وكأن المسألة بسيطة، ومجرد الحديث عن مصالحات تمّت بالقهر عبر الطائرات الروسية، ومدافع وصواريخ كل الميليشيات التي شاركت في صنْع معاناة الشعب السوري قد أنهت كل تلك المآسي، ومسحت حجم الدماء الغزيرة التي سالت، فيأتي الحديث عن استقرار الأوضاع، وعودة الهدوء، إلى المدن والبلدات السورية، ويجري التعاطي مع هذه القضية وكأن النظام انتصر على شعبه، ولا بدّ من التعامل مع هذه النتيجة، التي يراها الكثيرون مرحلية، ولن تدوم على هذه الحال فترة طويلة.
لقد تحدث وزير الخارجية، جبران باسيل، قبل أيام عن عودة العلاقات بين لبنان وسورية إلى طبيعتها السابقة كما كانت من قبل، ولم يأخذ بالاعتبار عند الحديث عن هذا الموضوع أن القرار النهائي في هذه المسألة هو عند مجلس الوزراء مجتمعاً، ونسي أيضاً أن هذا المجلس لم يتألف بعد بسبب المطالب والشروط التي يجري وضعها أمام الرئيس المكلف سعد الحريري، وبالتالي ليس من حق أي شخص التحدث عن تقرير سياسة البلد الخارجية سوى مجلس الوزراء. كذلك تحدث رئيس الجمهورية قبل أيام، وفقاً لما نُقل عنه، بأنه يرى ضرورة ملحّة في إعادة التواصل بين الحكومة اللبنانية والنظام السوري، ولا يدري أحد من أين تولّدت هذه الضرورة، وما هو الشيء الذي فرضها في ظل انكماش دولي عن أي انفتاح نحو النظام السوري حتى الآن على الرغم من الحديث عن انتهار الحرب في سورية.
هل ما يطرح اليوم بالنسبة إلى إعادة العلاقة الطبيعية مع سورية (النظام) يقع ويصبّ  في المصلحة الوطنية، أم أنه نوع من الابتزاز السياسي تمارسه الأطراف الداخلية تجاه بعضها، ونوع من الضغط في ملفات داخلية.
أغلب الظن عند الجميع أن هذه المطالب لا تصب في المصلحة الوطنية اللبناينة حالياً، ولكنها تقع في مجال الابتزاز الداخلي على خلفيات عديدة منها حالياً تأليف الحكومة.}