بسام غنوم

تعيش الساحة السياسية في لبنان حالة من التخبط والفوضى لا مثيل لها قبل إجراء الانتخابات النيابية المقررة في السادس من شهر أيار القادم.
ففيما يتوالى إعلان اللوائح وأسماء المرشحين للقوى والأحزاب على امتداد الساحة اللبنانية، يتكشف أيضاً حجم المأزق الذي وقعت فيه هذه القوى والأحزاب بفعل قانون الانتخاب القائم على النسبية مع خيار الصوت التفضيلي حيث تفرق الحلفاء والأصدقاء «شذر مذر»، كما يقولون، وأصبح تشكيل اللوائح الانتخابية نوعاً من أعمال السحر والشعوذة بسبب اختلاف المصالح الانتخابية بين منطقة وأخرى، وحتى بين الوالد وابنه، وربما هذا ما دفع الرئيس سعد الحريري الى اختيار «نحنا الخرزة الزرقا يلي بتحمي لبنان» شعاراً لحملة تيار المستقبل للانتخابات حيث فضل الرئيس سعد الحريري الاعتماد على «الخرزة الزرقا» بدلاً من التحالفات السياسية التي كان يرفعها فريق 14 آذار، وهو إن دل على شيء، فإنما يدل على حالة الفوضى والضياع التي تعانيها القوى والأحزاب عشية الانتخابات النيابية.
هذا من ناحية الانتخابات النيابية، وأما من ناحية الوضع الاقتصادي في لبنان فإن ناقوس الخطر الذي دقه صندوق النقد الدولي قبل نحو شهر والذي قابلته الردود الرسمية والمصرفية بشيء من اللامبالاة تحول بفعل المخاطر الجدية التي كشف عنها تقرير صندوق النقد الدولي لناحية الاصلاحات المطلوبة لحماية الاقتصاد اللبناني إلى همٍّ كبير يشغل بال المسؤولين في الحكومة والمصرف المركزي الذين أكدوا أن لبنان والاقتصاد اللبناني سيبقون بعيداً عن تجربة اليونان.
فبعد اجتماع موسع مع الهيئات الاقتصادية، تحدث حاكم مصرف لبنان ريان سلامة عن «نقاط قوة» لدى الاقتصاد اللبناني، منتقداً تشبيه الاقتصاد اللبناني بالاقتصاد اليوناني «فاليونان لم يكن لديها قطاع مصرفي قوي وقطاع خاص حيوي واحتياطات كبيرة بالعملات الأجنبية» ومع ذلك قال سلامة إنه رغم الصعوبات التي يمر بها لبنان اقتصادياً ومالياً، إلا ان الأمور «لا تزال تحت السيطرة»، وهو ما يؤكد المخاوف والمخاطر الكبيرة التي تحيط بالاقتصاد اللبناني.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل تنقذ الانتخابات النيابية القادمة لبنان من مأزقه السياسي وتحمي اقتصاده الوطني؟
في الشأن الانتخابي لا بدّ من التوقف أولاً عند جملة أمور ومواقف تحيط بنتائج الانتخابات النيابية القادمة.
النقطة الأولى هي مستقبل لبنان السياسي في ضوء الصراع القائم في المنطقة، ولا سيما بين السعودية وإيران.
فبالنسبة الى إيران، فإن الانتخابات النيابية القادمة في لبنان فرصة لتظهير قوة وقدرة محور المقاومة في لبنان والمنطقة عبر الفوز بالغالبية في المجلس النيابي القادم، وهو ما جعل الشيخ نعيم قاسم يدعو الى أوسع مشاركة في الانتخابات «كاستفتاء على شعبيتنا وليس لنجاح عدد من النواب، بل نريد ان نقدم أمام العالم أعداداً وأرقاماً تحمل قوة الموقف وتؤكد مشروع المقاومة في مواجهة التحديات».
ولا يختلف الموقف السعودي عن الموقف الإيراني في النظرة إلى الوضع في لبنان في ما يتعلق بنتائج الانتخابات النيابية، حيث أكد البيان الصادر في ختام المحادثات التي أجراها ولي العهد السعودي في بريطانيا دعم البلدين «للحكومة اللبنانية وأهمية تمكينها من بسط سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية ونزع سلاح ميليشيا «حزب الله» والتصدي لدورها المزعزع للاستقرار».
وبذلك تكتسب الانتخابات في لبنان ونتائجها بعداً إقليمياً يتجاوز البعد الداخلي الذي ربما هو الأقل أهمية بالنسبة إلى القوى السياسية الكبرى في لبنان.
وإذا كان البعد الإقليمي وصراع النفوذ في المنطقة هو بيضة القبان في انتخابات لبنان، فإنّ من الطبيعي أن تأتي في آخر الاهتمامات التحالفات السياسية وأن يحلّ محلها همّ الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية، ولو كان عبر اللعب بـ«البيضة والحجر» وهي لعبة يمارسها الجميع في لبنان، وأعلنها «المستقبل» عبر شعار «الخرزة الزرقا».
أما بالنسبة الى المأزق الاقتصادي فإنه يشكل خطراً على لبنان واللبنانيين، خصوصاً في ظل ضعف معدل النمو الاقتصادي المستمر من سنوات وفي ظل الضغوط الاقتصادية على لبنان من الإدارة الأميركية ودول الخليج العربي تحت عنوان «مكافحة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني في لبنان والمنطقة».
وإذا كانت الحكومة بكل مكوناتها قد زفت الى اللبنانيين إنجاز موازنة عام 2018 مع خفوضات بنسبة 20 بالمئة في معظم الوزارات، فإن انجاز الموازنة تحقق تحت ضغطين:
الأول ضغوط المجتمع الدولي الذي يريد إصلاحات جوهرية وفعلية في الاقتصاد اللبناني وفي أداء الدولة، ولا سيما لمكافحة الفساد والرشوة، وإلا فلن يكون هناك دعم للبنان، وهو ما أكده السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه، حيث أكد أن «نجاح مؤتمر سيدر منوط باعتماد رزمة الإصلاحات الجوهرية المطلوبة من لبنان في قطاعات حيوية وحياتية»، وأضاف أن «المجتمع الدولي ينتظر إشارات إيجابية قبل الالتزام بشكل تام الى جانب لبنان».
أما الأمر الثاني، فهو الوضع الاقتصادي الذي بلغ مرحلة الخطر بكل ما في الكلمة من معنى، حيث لفت حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى ان «الجو العام حالياً لا يشجع على الاستهلاك والاستثمار، وعلينا جميعاً المساهمة لإعادة الأجواء الى وضعها الطبيعي»، وفي هذا السياق وضع الرئيس سعد الحريري انجاز موازنة 2018، حيث قال: «نحن اليوم بهذه الموازنة ابتعدنا عن أزمة اليونان وحافظنا على لبنان. ويجب أن يكون هناك المزيد من الاصلاحات، وأنا لست خائفاً».
باختصار، لبنان في عين العاصفة التي تعصف بالمنطقة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، والجميع يراهن على الانتخابات القادمة. فهل ينجح هذا الرهان أم يغرق لبنان واللبنانيون؟}