وائل نجم - كاتب وباحث

احتفل لبنان يوم الثلاثاء (22/11/2016) بالذكرى السنوية الثالثة والسبعين لاستقلاله (العيد الوطني) بعرض عسكري نظّمه الجيش اللبناني في العاصمة بيروت بحضور رؤساء:  الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة، والرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، فضلاً عن مدعوين عرب وأجانب؛  واستعرض الجيش في هذه المناسبة بعضاً من قوته العسكرية ووحداته القتالية، فكانت المروحيات تجوب سماء العاصمة، وسارت بعض الوحدات المدرّعة والمجنزرة أمام المنصّة الرئيسية، كما كان لوحدات المشاة والمدفعية والدفاع المدني حضور في الاستعراض، ولكن يمكن أن يُسجّل أن العرض لم يكن بتلك الضخامة وهو ما ينسجم  مع حجم لبنان، وقد كانت العروض السابقة مختلفة في السنوات الماضية. المهم أنه بعد غياب عامين لهذا العرض بسبب الشغور الذي أصاب موقع رئاسة الجمهورية، عاد العرض هذه السنة بعد انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية.
وقبل يومين من العرض الرسمي الذي نظّمه الجيش اللبناني في جادة الرئيس شفيق الوزان في العاصمة بيروت، استعرض رئيس حزب التوحيد العربي، النائب السابق وئام وهّاب، ما سمّاه «سرايا التوحيد»، في عرض عسكري كامل من غير اظهار السلاح، حتى أن عناصر «سرايا وهّاب» نفذوا تمارين قتالية من خلال النزول على الحبال، وهو ما لم ينفذه عناصر الجيش اللبناني خلال عرضهم العسكري. كان عناصر «سرايا التوحيد» يسيرون بخطوط عسكرية، وبزات عسكرية، وأوامر عسكرية. كانوا يشبهون الجيش في كل شيء، إلا في شيء واحد، كانوا يخفون وجوههم خلف قبعات سوداء، فيما جنود الجيش اللبناني كانوا يبرزون وجوههم بشكل واضح دون خوف، ويشمخون برؤوسهم إلى الأعلى.
وقبل أيام من العرض العسكري الذي أقامه وهّاب في الجاهلية بالشوف من جبل لبنان (جنوب العاصمة)، كان حزب الله يعلن عبر مواقع الكترونية مقربة منه أنه استعرض وحداته العسكرية في بلدة القصير السورية، وقد أظهر لأول مرة امتلاكه لمدرعات ومجنزرات أمريكية الصنع، قيل إنها من مخلفات الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، فضلاً عن أسلحة أخرى صاروخية وغير صاروخية. المفارقة أن الاستعراض بهذه الطريقة جاء بعيد انتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، وقبل أيام من عيد الاستقلال! 
لبنان إذاً خلال أيام قليلة، وعلى أبواب الذكرى السنوية لاستقلاله استعرض ما يصح قوله، ثلاثة جيوش. الجيش اللبناني الرسمي الذي يحظى بثقة كل اللبنانيين، وجيش «حزب الله»، وهو بالطبع أثار زوبعة من التساؤلات مع كل مرة يجري الحديث فيها عن سلاح الحزب، سواء بالداخل اللبناني، أو ضمن الاراضي السورية.  وجيش وئام وهّاب، وللمفارقة فقد كان العرض مصاحباً لأنشودة مبتكرة تقول «نحن جيشك يا وهّاب»، وبالطبع فإن هذا العرض أيضاً لا يطمئن أغلب اللبنانيين، سوى أولئك الذين يدينون لوهّاب وداعميه بالولاء.
اللبنانيون وفي الذكرى الثالثة والسبعين للاستقلال وجدوا أنفسهم مرة واحدة أمام ثلاثة عروض عسكرية، وأمام ثلاثة جيوش. جيش شرعي يحظى بثقتهم، ويحمي استقلالهم، هو الجيش اللبناني. وجيشين آخرين أو ربما أكثر، يثيرون الشك والريبة في نفوسهم، وبالتالي لا يثقون بأنهما مصدر اطمئنان أو ثقة لصون استقلال البلد وحفظه.
اللبنانيون اليوم تأكدوا مرّة أخرى أن استقلالهم غير ناجز، وسيادتهم غير كاملة، وأن الشغور الذي أصاب منصب رئاسة الجمهورية لأكثر من عامين وبضعة أشهر هو بفضل هذا الطيف لتلك الجيوش التي تمارس الاستعراضات هنا وهناك، وأن التأخير في تشكيل حكومة العهد الأولى قد يكون سببه أيضاً تلك الجيوش غير الرسمية التي يصل صدى سلاحها إلى كل الآذان، إن لم يكن الهدف والرسالة من تلك الاستعراضات هو دفع الآخرين إلى النزول على شروط الجيوش في تشكيل الحكومات. 
احتفل اللبنانيون، وهم مغلوب على أمرهم، بالاستقلال، ولكنهم يدركون جيداً أن استقلالهم الحقيقي هو يوم تصبح الدولة سيّدة على أرضها، والحكومة سيّدة على قرارها، والجيش الرسمي الحامي الوحيد لحمى الوطن، وفي يوم استقلالهم سأل بعضهم بعضاً: إلى متى سيبقى التعايش المفروض بالأمر الواقع قائماً بين البندقية الشرعية والبنادق المشرّعة على الفوضى فوق القانون؟!  إنه ببساطة التحدّي الأبرز التي يواجه العهد الجديد، فإما أن يحرّر هذا العهد الدولة من ذاك التعايش المفروض حتى تستعيد سيادتها على قرارها الحر، وإما فإن ثقة المواطنين بها وبالاستقلال ستصاب بمزيد من النزف الذي لا يكون بمصلحة أحد على الاطلاق.