وائل نجم

 حلّت يوم الأربعاء الذكرى الرابعة والسبعون لاستقلال لبنان وسط أزمة سياسية داخلية على علاقة بالخارج، وضغوطات خارجية على صلة بالداخل.
فقد سبق الذكرى بأسبوعين تقريباً استقالة رئيس الحكومة، سعد الحريري، المفاجئة من العاصمة السعودية الرياض، وتزامنت مع غموض اكتنف الاستقالة وإقامة الحريري في الرياض بلغت حد التعامل مع المسألة على فرضية أنه في إقامة جبرية أو أنه محتجز، وهو ما استدعى تحركاً لبنانياً باتجاه العديد من العواصم الأوربية تحديداً، وكذلك تدخلاً فرنسياً مباشراً قاده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأفضى إلى ما اعتبر وساطة أو تسوية أنهت الغموض حول الاقامة، وأتت بالحريري إلى باريس، ولكنها لم تنهِ الأزمة كما أشار إلى ذلك رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي.
كما سبق الذكرى الاجتماع السريع والاستثنائي لوزراء خارجية الدول العربية في القاهرة، والذي تناول البحث فيه بشكل رئيسي وأساسي مسألة «التدخّل الإيراني» في المنطقة العربية، ومنه دور «حزب الله» في ذلك فضلاً عن دوره في لبنان. وقد اتخذ الوزراء قراراً بإدانة «التدخّل الإيراني» وإحاطة مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة بذلك، كما أدان القرار «حزب الله» في لبنان وصنّفه منظمة «إرهابية» دون أن يعفي لبنان حكومة وعهداً بشكل صريح من مسؤوليته عمّا اعتبره الوزراء العرب تورّط «حزب الله» وتدخله في أكثر من بلد عربي.
استقالة الرئيس الحريري وتداعياتها، والشروط التي وضعها الحريري للعودة عن الاستقالة والتي عبّر عنها أكثر من مصدر على صلة بالحريري، والقرار الذي اتخذه الوزراء العرب في القاهرة، استدعت ردّاً أو توضيحاً من الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصرالله، باعتبار أن الأمرين يطاولان الحزب مباشرة.
المعلوم في لبنان أن مسألة احتكار السلاح، بغض النظر عن الدور الذي يلعبه ويؤديه ايجاباً أو سلباً، هي مسألة خلافية كبيرة ولا ترجع إلى شهور إلى الوراء، بل إلى سنوات وعقود. وقد عقدت هيئات حوار وطني أكثر من مرّة لأجل بحث مسألة تنظيم هذا السلاح، ولكن من دون فائدة، حتى بلغ الأمر أن يتجاوز هذا السلاح، وفق منطق البعض في لبنان، حدود السيادة والقرار الوطني، والذهاب إلى سورية وإلى مناطق أخرى للقتال والتدخّل المباشر. وقد جعل هذا الأمر هذا السلاح تحت عدسات الإعلام بشكل كبير ودائم، وهو ما عرّض الحزب لضغوط كبيرة وكثيرة، وربما أدت أحياناً إلى اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام كما يقول البعض. كذلك بدأ هذا الأمر يعرّض لبنان في الآونة الأخرة لضغوط كبيرة وكثيرة من الخارج تمثّلت أحياناً بطريقة الضغوط والعقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية، وقد تجلّت أيضاً تدخلات مباشرة بالشأن اللبناني كما حصل في قرار استقالة الرئيس الحريري من الرياض بضغط سعودي، كما يقول البعض الآخر. وفي كلتا الحالتين يمكن الحديث عن تجاوز للسيادة والقرار الوطني، وتدخّل أيضاً في الشأن الداخلي اللبناني أو الشؤون الداخلية للآخرين.
الأمين العام لحزب الله، وبعد مؤتمر وزراء خارجية العرب في القاهرة، خرج ليقول ويؤكد أن الحزب لم يصدّر سلاحاً إلى أي بلد عربي، وأنه سيعود من العراق، وربما من سورية بعد انتهاء دولة «داعش». وهذا بالطبع يفتح الباب على إمكانية البدء بحوار أو تفاهمات جديدة تجنّب البلد أية محاولة لنشر الفوضى، ولكنها لا تعطي ضمانات للمستقبل بأن هذا السلاح لا يكون له دور أو تأثير في الداخل. في مقابل تحضيرات جدّية تقوم بها دول عربية وغربية لفرض عقوبات كبيرة وخطيرة على لبنان قد تصل في لحظة من اللحظات إلى عمل عسكري أو أمني.
الواضح أن السيادة اللبنانية في الذكرى الرابعة والسبعين للاستقلال منقوصة وغير مكتملة. منقوصة لناحية عدم احتكار السلاح من قبل المؤسسات الشرعية التي تحظى بثقة كل اللبنانيين، ولناحية عدم احترام القرار الوطني في تقرير سياسة ومصلحة لبنان بعيداً عن صراع المحاور الإقليمية، فضلاً عن أن هذا القرار أصلاً – كما يقول البعض – ليس في المؤسسات الدستورية المعروفة، لكن جرت الهيمنة عليه من خارج هذه المؤسسات. وفي مقابل ذلك أيضاً هناك السيادة المنقوصة التي اهتزت بفعل التدخل الفاضح والسافر لبعض الدول والتي فرضت أجندات جديدة ومشاريع جديدة تؤمّن مصالحها ولا تؤّمن مصالح لبنان ابتداءً. وأمام هذه المشهدية يبدو واضحاً أن لبنان يحتفل باستقلاله عبر استعراض عسكري رمزي، ولكن القرار الوطني الذي يعبّر عن الاستقلال بشكل جدّي وحقيقي يبدو في مكان آخر.}