بسام غنوم

تنشغل الساحة السياسية في هذه الأيام بعملية تشكيل الحكومة الجديدة، ورغم المطالب الكثيرة التي أبداها رؤساء الكتل النيابية سواء لناحية الحقائب المطلوبة أو لأعدادها، يبدو الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة سعد الحريري متفائلاً جداً بتشكيل سريع للحكومة الجديدة، فقد اعتبر بعد ختام يوم المشاورات الطويل مع الكتل النيابية انه «كان هناك تعاون كبير بين الجميع لتسهيل تشكيل الحكومة، وكان الجميع متوافقين على أن علينا التسريع في تشكيلها بسبب التحديات الإقليمية والاقتصادية التي نواجهها في البلد. ولا شك في أن هدف الجميع هو العمل لتحسين الاقتصاد الوطني وتقوية مؤسسات الدولة».
ويبدو من كلام الرئيس سعد الحريري أن هناك رغبة كبيرة من كل الكتل بولادة سريعة للحكومة لمواجهة التحديات التي يواجهها لبنان، ولا سيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وفي هذا الإطار برزت حركة سياسية لافتة الى جانب التحركات القائمة لتشكيل الحكومة الجديدة، وهذه الحركة يتزعمها «حزب الله» ويشدد فيها على شعار مكافحة الفساد في إدارات الدولة والشأن العام الذي رفعه خلال الانتخابات النيابية. وفي هذا الصعيد شكل اللقاء الذي جمع بين السيد حسن نصر الله والرئيس نبيه بري، وهو الأول بين الرجلين منذ سبع سنوات حدثاً لافتاً، أولاً لأنه جاء خلال الحديث عن تشكيل الحكومة الجديدة وشكلها وحجمها ودورها، وثانياً لأنه تناول مفصّلاً الدور الجديد لـ«حزب الله» في الحكومة الجديدة وخصوصاً ما يتعلق بملف محاربة الفساد، وقد احتل ملف محاربة الفساد مساحة لا بأس بها من المناقشات بين نصر الله والرئيس بري الذي أكد أنه كان ولا يزال في مقدم من يخوض الحرب ضد الفساد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الذي يريده «حزب الله» من مكافحة الفساد في الدولة؟
قد يبدو هذا السؤال غريباً بعض الشيء، خصوصاً في ظل حالة الاهتراء والفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة، ما أوصل الأمور الى ما هي عليه الآن، وخصوصاً لناحية تردي الحالة الاقتصادية التي أصبحت الشغل الشاغل للبنانيين.
إلا أن إلقاء نظرة عامة على الفترة السابقة يفيد بأن الفساد كان حالة مشتركة بين مختلف القوى المشاركة في الحكومة، وقد كان «حزب الله» يبرر عدم محاربته للفساد في الدولة بانشغاله في المقاومة وفي الحرب بسوريا وان الأولوية السياسية هي لـ«حماية المقاومة» من الهجمات التي تستهدفها محلياً وخارجياً، وأن هذا الهدف يتقدم على ما عداه من الأهداف الأخرى.
لكن يبدو أن التطورات المتسارعة في المنطقة، وخصوصاً في ظل المواجهة المفتوحة بين أميركا وإيران على خلفية الملف النووي الإيراني، وفي ظل تردي الوضع الاقتصادي والعقوبات الأميركية والخليجية على «حزب الله» كان لا بدّ بعد استقرار الوضع نسبياً في سوريا لمصلحة المحور الإيراني ان يتجه «حزب الله» الى الالتفات الى الوضع الداخلي اللبناني من أجل توفير الحماية السياسية للمقاومة، وهذا ما تحقق عبر نتائج الانتخابات النيابية، كما قال السيد نصر الله، وأيضاً عبر دور فاعل في الدولة مختلف بالكامل، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بأداء مختلف لـ«حزب الله» في الدولة ومؤسساتها، ولا سيما في العمل الحكومي.
وفي هذا الإطار يأتي شعار مكافحة الفساد في الدولة الذي يبدو أنه أصبح ضرورياً في هذه المرحلة، خصوصاً في ظل اللهجة الأميركية على «حزب الله» التي لم تتضح بعد آفاقها وأبعادها التي تشارك فيها السعودية ودولة الإمارات بكل قوة.
لكن بعيداً عن الغايات السياسية للحملة على الفساد التي يرفعها «حزب الله»، هل يمكن «حزب الله» محاربة الفساد وحيداً؟
في لقاء مع القضاة السبعة الجدد الذين عُيِّنوا في مجلس القضاء الأعلى، خاطب الرئيس عون القضاة قائلاً إن «للقضاة دوراً أساسياً في اجتثاث الفساد، وهم مدعوون الى القيام بدورهم كاملاً في مساعدة الدولة في معركتها المقبلة ضد الفساد». وهذا الكلام جميل ولا خلاف عليه بين اللبنانيين، لكن واقع الحال يقول غير ذلك، وفي أكثر من ملف خلال فترة عمل الحكومة السابقة. فعلى سبيل المثال ملف بواخر الكهرباء ومعمل دير عمار، الذي دار جدال كبير حولهما لناحية شفافية المناقصات والتلزيمات وكلنا يذكر الاتهامات المتبادلة بين الوزير جبران باسيل ووزير المالية علي حسن خليل حول ملف الكهرباء، وقد وصلت الى حد الاتهام بالسرقة من قبل الوزير علي حسن خليل للوزير جبران باسيل، ومع ذلك وبعد الانتخابات النيابية وقبل يوم من انتهاء مهام الحكومة مُرِّر ملف الكهرباء كما كان يريد الوزير جبران باسيل الذي قال: «الحكومة أقرت ما كنا نطالب به من الأول بملف الكهرباء لأن هذا هو الحل».
وهناك ملف تعيين مدير عام لتلفزيون لبنان الذي ما زال متعثراً رغم سلوك وزير الإعلام ملحم رياشي الطريق القانوني لاختيار المدير من طريق مجلس الخدمة المدنية، والسبب كما هو معروف رفض التيار الوطني لهذا الاختيار.
باختصار، محاربة الفساد مطلب كل اللبنانيين، لكنه يتطلب أولاً إرادة سياسية حقيقية، ورغبة لدى المسؤولين في الدولة بالسير في محاربة الفساد.
فهل هذا ممكن؟}