العدد 1356 / 3-4-2019
بسام غنوم

مع ارتفاع التحذيرات المحلية والدولية من خطورة الوضع الاقتصادي واحتمال دخول لبنان في دوامة ازمة اقتصادية ومالية خانقة ، تبدو الساحة السياسّية منشغلة بالقضايا المرتبطة بالوضع الاقتصادي والنقدي اولا ،ﹰ فيما تراجع الى الخلف الاهتمام بالموضوع السياسي رغم اهمّيته وخصوصاﹰ بعد المواقف التي اطلقها رئيس الجمهورية ميشال عون في القمة العربية التي عقدت في تونس والتي قال فيها : "تسع سنوات مرّت على بدء الحروب الارهابية في الدول العربية .. أنظمة تهاوت ورؤساء غابوا ، مدن بكاملها دمّرت .. الخ " أضاف قائلاﹰ "هل يسعى المجتمع الدولي لجعل النازحين رهائن لاستعمالهم أداة ضغط على سوريا وايضاﹰ على لبنان بما قد يفرض من حلول ؟ "

هذا الموقف الذي اعلنه الرئيس ميشال عون باسم لبنان لا ينسجم مع مبدأ "النأي بالنفس" الذي تلتزمه الحكومة اللبنانية لأنه يتبنى موقف النظام السوري الذي يعتبر المعارضة السورية ارهابية دمرت البلاد وقتلت العباد ، وكذلك بالنسبة لقضية النازحين السوريين في لبنان ، فقد اعتبر ان المجتمع الدولي يستعملهم رهائن للضغط على النظام السوري ، وهو ما يتعارض ايضاﹰ مع موقف لبنان الرسمي .

لكن يبدو ان الرئيس الحريري الذي يدرك خطورة وحساسية الوضع الاقتصادي والمالي للدولة اللبنانية ، آثر عدم الرد على المواقف التي اطلقها العماد عون في القمة العربية رغم تناقضها مع مبدأ النأي بالنفس الذي تبنته الحكومة في بيانها الوزاري ، وانصرف الى عقد لقاءات مطوّلة للجنة الكهرباء من أجل انجاز خطة الكهرباء في أسرع وقت ممكن ، كما يطالب البنك الدولي والهيئات والجهات الدولية الداعمة للبنان على الصعيد الاقتصادي .

ومع تركيز الاهتمام الرسمي حالياﹰ على معالجة الشأن الاقتصادي والمالي للدولة اللبنانية ، ماهي ابرز الأمور والاصلاحات الاقتصادية والمالية التي يجري الحديث عنها ؟

تدور مجمل الاحاديث والخطط حول معالجة أمور ثلاثة وهي : الكهرباء والرواتب والاجور والبنزين .

فبالنسبة الى الكهرباء فان الجميع يعلم ان الدعم المقدم من الدولة للكهرباء الذي يستنزف خزينة الدولة منذ العام 1993 هو من الاسباب الرئيسية لارتفاع الدين العام للدولة الى ما يقارب اﻠ 85 مليار دولار ، ومع تفاؤل اللبنانيين بالتفاهم القائم حالياﹰ حول الخطة المقترحة لمعالجة أزمة الكهرباء ، وتأكيد وزير الاعلام جمال الجراح بعد اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بمهام الكهرباء انه "بات هناك توافق تقريباﹰ على نقاط الارتكاز الاساسية للخطة ، وقد حصلت مقاربات ايجابية ، يبقى الحذر واجباﹰ لأن الوعود الدائمة بحل ازمة الكهرباء منذ العام 1993 وحتى العام الجاري تبخرت مع ريح الخلافات السياسية بين الطبقة السياسية الحالية التي مازالت تحكم لبنان منذ البدء بتطبيق اتفاق الطائف في العام 1990 .

اما فيما يتعلق بالرواتب في القطاع العام ، وهو المقصود بالقرارات الصعبة "في ما يختص بالموازنة والاصلاحات وعلى الجميع ان يتشارك بمسؤولية اتخاذها" كما قال الرئيس الحريري ، فان سبب الازمة هو اقرار سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام بدون دراسة صحيحة وجدّية لحجم السلسلة اولاﹰ ، ولتأثيرها على مالية الدولة ثانياﹰ ، ولجهل المسؤولين بعدد الموظفين في القطاع العام ثالثاﹰ ، واخيراﹰ لقيامهم بتوظيف ما يقارب العشرة آلاف موظف بعد اقرار السلسلة رغم حطر قانون السلسلة ذلك ، وهو ما ادى الى عجز في مالية الدولة ، وجعل كلفة الرواتب في الموازنة العامة يصل الى 40 في المئة كما قال رئيس لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي النائب ابراهيم كنعان .

وكما في ازمة الكهرباء كذلك في ازمة الرواتب والاجور في القطاع العام ، فان المسؤول عنها هو المتسبب بها .

اما بالنسبة للبنزين فان الدولة تريد فرض رسم اضافي على رسم السبعة آلاف ليرة التي تتقاضاها حالياﹰ من سعر كل صفيحة بنزين ، وهذا الرسم الاضافي ستكون له انعكاسات سلبية جداﹰ على عامة اللبنانيين ، وعلى الاقتصاد بشكل عام .

باختصار ، الحكومة تقول ان الادارة اللبنانية ستتأثر بالاصلاحات والاجراءات أكثر من المواطن ، فهل ستصدق الحكومة بوعدها ام سيدفع المواطن اللبناني الثمن كما هي العادة ؟

بسام غنوم