وائل نجم

  جرت يوم الأحد الماضي (6 أيار 2018) الانتخابات النيابية وفقاً للقانون الجديد الذي اعتمد التمثيل النسبي على مستوى الدائرة (لبنان خمس عشرة دائرة) والصوت التفضيلي على مستوى القضاء (الوحدة الإدارية)، وقد شاب هذه العملية الكثير من الخروقات والتجاوزات قبل وأثناء وبعد الانتخابات، ما جعل من الممكن القول إن النتائج جاءت مشوّهة للحقائق في كثير من الأماكن، ليس قدحاً في النسبية، ولا حتى في الصوت التفضيلي، على الرغم من وجود ملاحظات على كلتا المسألتين، ولكن بالنظر إلى أمور أخرى رافقت هذه العملية.
فعلى صعيد القانون لم يكن هناك وحدة معيار للتمثيل النسبي، فنجد أن دائرة يمكن أن يكون عدد الناخبين فيها 450 ألف ناخب كدائرة الجنوب الثالثة مثلاً، ودائرة أخرى لا يتجاوز عدد ناخبيها ربما مئة الف. وهناك دوائر كانت ممثلة بثلاثة عشر مقعداً نيابياً، كما في الشوف وعاليه، ودوائر بخمسة مقاعد كما في صيدا وجزين. وهناك دوائر كانت عبارة عن محافظة، وهناك دوائر كانت عبارة عن قضاء أو أقضية، وخلاصة القول أنه لم يكن هناك معيار  واحد لتقسيم الدوائر، وهذا بالطبع ينعكس على النتائج.
أمّا في ما يتعلق بالخروقات والتجاوزات، فهناك ما هو قبل الانتخابات، ويتلخّص أبرزه باستغلال السلطة، وعدم تمكين هيئة الإشراف على الانتخابات من القيام بعملها، أو منحها الصلاحية الكاملة للإشراف على الانتخابات، بمعنى أن تكون مستقلة. وهناك عدم تكافؤ الفرص في الإعلان والإعلام الإنتخابي، فضـلاً عن الإنفاق المالي على اللوائح والحملات الانتخابية، ناهيك عن الخطابات التخوينية والتوتيرية والتحريضية التي يرفضها القانون، ناهيك عن الضغوطات التي مورست في أكثر من دائرة سواء عبر التهديد بالوظائف أو بحملات التخويف والاعتداءات، أو بقطع الطرقات أمام مرشحين بغطاء من قوى الأمر الواقع، إلى غيرها الكثير الكثير من الممارسات التي لم تُعطِ فرصة حقيقية وجدّية وحرية كاملة للناخب كي يمارس دوره وحقه الانتخابي.
أما في التجاوزات التي حصلت أثناء عملية الاقتراع فهي كثيرة أيضاً ليس أقلها الخروج عن الصمت الانتخابي، أو محاولات شراء الذمم مالياً، أو الاشكالات التي حصلت بإرادة أو بتخطيط أو من غيرهما في أقلام الاقتراع مع كثير من الناخبين، وكل ذلك أيضاً له تأثيره على نتائج الانتخابات.
وفي ما يتعلق بما بعد الانتخابات فإن الفضائح التي جرى الحديث عنها في عمليات الفرز لا تكاد توصف، إذ جرى الحديث عن شهداء انتخبوا، وعن مرشحين لم يصوّتوا لأنفسهم صوتاً تفضيلياً، وعن صناديق كانت تأتي إلى مراكز الفرز ولم تكن مختومة بالشمع الأحمر، وعن نتائج من دون محاضر رسمية وقانونية، وعن كثير من الأمور التي أقل ما يقال فيها أنها تشوّه العملية الانتخابية، وهي محل طعن حقيقي بمجمل العملية الانتخابية.
أما عن الحالة الإسلامية في لبنان، التي كانت تتمثّل في المجلس النيابي المنتهية ولايته في العشرين من الشهر الحالي، والتي تقول النتائج التي خرجت عن عمليات الفرز إنها خسرت المقعد الذي كانت تشغله منذ عام 2009، فإنها قد عانت إضافة إلى كل ما تقدّم من تجاوزات إلى مشاكل وعقبات أخرى لا يكاد البعض ينظر إليها.
لا يخفى على أحد أن الكثيرين في الداخل والخارج ينظر إلى الحالة الإسلامية في لبنان (الجماعة الإسلامية)، التي تعبّر عن نفسها بأنها حالة وسطية معتدلة ومنفتحة ومحاورة وتريد بناء الدولة، على أنها الفرع اللبناني لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، وهي لا تنكر ذلك على المستوى الفكري والنظري، ولكنها تؤكد أنها فصيل لبناني لا يرتبط تنظيماً بأي مكوّن آخر، لا في الداخل ولا في الخارج، ولذلك فإن هذه الحالة، أمام ما يشهده الإقليم من محاولات لإقصاء الحالات الإسلامية والتيارات الإسلامية، عانت في هذه المرحلة في لبنان، وفي هذا الاستحقاق من محاولات الإقصاء والتهميش وحتى الإلغاء، ومورست ضغوطات كبيرة وكثير على العديد من القوى السياسية، ولا سيما في الساحة المشتركة مع الحالة الإسلامية، حتى لا تُصاغ أية تحالفات انتخابية أو سياسية معها، وكان ذلك في كثير من الأحيان بفعل ضغوطات خارجية من أكثر من طرف. وبالفعل، تمكّنت هذه الضغوطات من ثني معظم القوى السياسية الإسلامية التي تتشارك مع الحالة الإسلامية تلك الساحة من التحالف معها مع إدراكها أن التحالف مع الحالة الإسلامية يمثّل في مكان فرصة افضل للفوز من ناحية، وتحصيناً لواقع الساحة الإسلامية من ناحية ثانية، إلا أن الضغوط، يبدو أنها كانت أكبر من القدرة على التحمّل لدى تلك الأطراف، وهو ما جعل الحالة الإسلامية تخوض، في الحقيقة، معركتين، لا معركة واحدة في هذا الاستحقاق. معركة الحفاظ على المقعد النيابي في الندوة النيابية، وقد رشّحت لهذه الغاية أربعة مرشحين في أربع دوائر، ولم توفّق في أي منها. ومعركة ثانية، وبتقديري كانت هي الأهم، وهي معركة كسر الحصار الذي كان يفرض عليها، وإفشال محاولات الإقصاء التي استهدفتها، وأظن أنها نجحت في هذه المعركة وحققت إنجازاً مهماً وكبيراً يمكن البناء عليه للمستقبل، ويمكّنها أيضاً من الخروج من «شرنقة» الحالة الضيّقة، إلى فضاء ورحاب الوطن المفتوح. وهنا يجدر الذكر أن الحالة الإسلامية تمكنت من نسج تحالفات انتخابية من مكوّنات رئيسية وأساسية في الساحات الأخرى، حيث تحالفت مع التيار الوطني الحر في دائرتين هما صيدا – جزين، وعكار، وقد مكّن هذا التحالف التيار الوطني الحر من حصد أربعة مقاعد لصالحه، ويمكن أن يرتقي هذا التحالف الانتخابي مع الأيام ومع الثقة التي تولّدت بين الطرفين إلى تفاهم أو تعاون سياسي، وهذا بالطبع يعد مكسباً قوياً للحالة الإسلامية.
وأما القضية الأخرى التي تندرج في هذا السياق، فهي دعم الحالة الإسلامية لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جبنلاط في الشوف، وهذا ما عمّق بشكل أكبر العلاقة التاريخية التي كانت تجمع الحالة الإسلامية والحزب الاشتراكي التي يمكن أن تتحوّل لاحقاً إلى ما هو أعمق في السياسة ومواجهات التحديات.
مختصر القول في هذا المقام أن الحالة الإسلامية خسرت مقعداً نيابياً وتمثيلاً في المجلس، وهذا صحيح، ولكنها في المقابل ربحت معركة إفشال محاولات إقصائها وحصارها، ولكنها في الوقت ذاته تحتاج إلى مزيد من الانفتاح والانطلاق إلى الفضاء الوطني حتى تحافظ على نتائج التحالفات سياسياً وحتى تتمكن من استعادة الدور والحضور والمقاعد لاحقاً.}