وائل نجم - كاتب وباحث

 سريعاً سحب رئيس المجلس النيابي، نبيه برّي، الكلام المنسوب إلى أوساطه عن حرب أهلية تهدد البلد إذا مضت التسوية الثنائية لحلّ أزمة الرئاسة الأولى بين رئيس «تكتل التغيير والاصلاح»، ميشال عون، وبين رئيس «كتلة المستقبل»، سعد الحريري. وقد نفى برّي بشكل مباشر الحديث عن تلك الحرب، وأكد أنه مدسوس ولا علاقة لكتلة التنمية والتحرير، أو لحركة أمل به من قريب أو من بعيد، إلا أن ما قيل كان قيل، والرسالة قد وصلت إلى من ينبغي أن تصلهم، خاصة أن معاونه السياسي، علي حسن خليل، قال كلاماً قريباً من ذلك في المجلس النيابي، عندما رفض أي ثنائية مسيحية – سنّية تعيد انتاج صيغة 1943 من جديد، وأكد أن من حقهم ككتلة أن يقفوا بوجه هذه الثنائية، ويقاوموها بما يملكون، ولكنه أكد في الوقت ذاته أن الكتلة ستحضر جلسة الانتخاب في الحادي والثلاثين من تشرين الأول الجاري، وستصوت إذا حصل التصويت، ضد ترشيح العماد ميشال عون، وستنتقل إلى صفوف المعارضة.
الكل يدرك في البلد أن الرئيس برّي أدّى دور الاطفائي طوال الفترة السابقة التي امتدت على أقل تقدير منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى آخر جلسة للحوار الوطني في عين التينة، وكان دائماً صاحب الحلول «السحرية» التي تخرج الأزمة من عنق الزجاجة في ربع الساعة الأخير، كما كان دائماً يقوم بدور راعي الحوار بين كل الاطراف، وهو ما أكسبه ثقة الاصدقاء والخصوم على حد سواء، بدءاً من «حزب الله» الحليف اللدود، انتهاء حتى مع القوات اللبنانية التي لم تكن يوماً على علاقة ود مع برّي، وهو ما حوّله من مجرد زعيم حزبي، إلى الاقتراب من الزعامة الوطنية، وبالتالي فإن الحديث عن التلويح بالحرب الأهلية فيما لو اكتمل عقد التسوية بين عون والحريري قد يكون فعلاً حديثاً مدسوساً يريد أن يخرّب البلد، أو بالحد الأدنى يريد أن يفرمل الاندفاعة الرئاسية التي يبدو أن الحريري قد مضى بها من خلال عقد العزم على ترشيح الجنرال عون للرئاسة. فمن يا ترى يمكن أن يكون خلف هذا الحديث المدسوس، إذا كان مدسوساً فعلاً؟! ولماذا تلوّح أوساط برّي بالحرب الاهلية إذا كان الحديث جدّياً وصحيحاً؟!
إذا أخذنا في الاعتبار نفي الرئيس بري الشخصي لجريدة النهار هذا الحديث، وهو كما قلنا تؤكده القرائن خلال السنوات الماضية، فإن معنى ذلك أن هناك جهات تريد أن توقف الاندفاعة الرئاسية من خلال استغلال اسم الرئيس بري وحركته، وهذه الجهات تدرك جيداً أن الرئيس الحريري لجأ إلى خطوة ترشيح عون لأنه لا يريد للبلد أن ينزلق إلى الفوضى والحرب الأهلية، وبالتالي فإن التلويح بهذه الحرب يندرج في إطار الحرب الاستباقية سياسياً إذا صحّ التعبير، فالمحاولة إذاً هي من أجل تخويف الطرف المندفع للجم اندفاعته؛ فضلاً عن ذلك فإن الجهات التي تمتلك القدرة على إشعال حرب أهلية في البلد معروفة للجميع، مع أن القطبة التي يظن الكثير أنها مخفية هي في أن الكثير من الأطراف تعلن دعمها للمرشح في العلن، إلا أنها تمارس خلاف ذلك في السرّ والغرف المقفلة.
أما إذا افترضنا أن الحديث جدي عن الحرب الأهلية في ما لو تمّت التسوية بين عون والحريري، فإن ذلك يمكن أن يندرج في إطار استقراء المستقبل والتحذير منه، خاصة أن الرئيس بري يدرك تماماً أن هناك جهات داخلية لا تريد للاستحقاق الرئاسي أن ينجح، بغض النظر عن شخصية الرئيس الذي يمكن أن ينتخب، ويدرك أيضاً أن ما تريده تلك الجهات الانقضاض على كامل البلد، وتحويله إلى حديقة خلفية لبعض الدول الاقليمية، وتحويل كل مكوّناته، دون تمييز، إلى مجرد متاريس للدفاع عن المشاريع الطموحة، ويدرك ايضاً جيداً أن أصحاب هذا التوجه يريدون الفراغ الدائم في سدة الرئاسة وفي كل المؤسسات، حتى يفضي هذا الفراغ مستقبلاً إلى حالة من الشلل الكامل للدولة، وجعلها تابعة بشكل أو بآخر لغيرها من الدول. ويدرك الرئيس برّي أمام كل ذلك أن إفشال هذا المشروع من خلال انجاز الاستحقاق الرئاسي بتسوية ثنائية أو غير ثنائية سيجعل أولئك يعودون إلى المربع الأول، وبالتالي فإن أولئك يمكن أن يلجأوا إلى إشعال البلد بالحرب الأهلية حتى لا تستقيم أمور الدولة والبلد وتنتهي قضية الفراغ. وهنا نقول إن الحديث عن الحرب الأهلية جاء في إطار التحذير منها بالنظر إلى نيات البعض، وليس في إطار التلويح بها.
أما إذا كان الحديث حقيقياً وقد سحبه الرئيس بري بعد أن وصلت الرسالة إلى من يعنيهم الأمر، فإن ذلك يعني أن البلد بات على حافة الانهيار، وقاب قوسين أو أقل من الانزلاق إلى الحرب المفتوحة في المنطقة، ولربما ما يعطي هذا الانطباع شيئاً من الجدّية هو ما كشفته حركة الرئيس بري من عروض عسكرية في ذكرى أحياء مراسم عاشوراء هذا العام، فهل بات لبنان على موعد مع ما يجري في المنطقة من حروب وويلات؟ أم أنها فشّة خلق وانتهت في وقتها؟!