أكد الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان عزام الأيوبي، أن حزب الله أول المنقلبين على اتفاق الدوحة، وأنه يتحكم بملف الفراغ الرئاسي وتعطيل مؤسسات الدولة لمصلحة مشاركته في الحرب داخل سوريا. 
وأكد الأيوبي أن «الجماعة الإسلامية» مشروع مقاومة قبل «حزب الله», ولا يوجد لديها بُعد إقليمي، وستبقى فريقاً لبنانياً يعمل وفق الأجندة الوطنية وما تمليه عليها قناعتها. 
وأشار إلى أن أولوية الجماعة هي إعادة ترتيب البيت الداخلي للطائفة السنية باعتبارها الطائفة الوحيدة المشتتة، مؤكداً أن حل المشكلة اللبنانية يحتاج إلى تضافر جهود أكبر من واقع الساحة اللبنانية ذاتها. 
وفي ما يلي نص الحوار:

- أصبح فراغ منصب الرئاسة مثار اهتمام بل واستياء الكثير من المراقبين للوضع اللبناني.. كيف تنظرون إلى هذا الأمر في الجماعة الإسلامية؟
} لا شك أن الوضع اللبناني يتأثر بما يجري في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بالمشروع الإيراني، ولبنان يعد حلقة أساسية في هذا المشروع.. وبالتالي فالوصف الحقيقي للوضع اللبناني هو أن مؤسسات الدولة مختطفة من قبل حزب الله، باعتباره التيار الأقوى والأكثر تأثيراً في الساحة اللبنانية، ليس من الآن ولكن منذ أواخر عام 2007 عندما فرغ أيضاً منصب الرئاسة لمدة ستة أشهر، ولم ينتهِ الأمر إلا باتفاق الدوحة الذي فرض فيه «حزب الله» رؤيته، وفرض قانون انتخابات متوافق مع أجندته.
ولكن بعدها حين فشل «حزب الله» في الحصول على الأغلبية البرلمانية، التي كان يريد أن يمسك زمام جميع المؤسسات الدستورية بها، انقلب على اتفاق الدوحة، بخروجه من الحكومة خلافاً للمتفق عليه، وأسقط حكومة سعد الحريري القائمة آنذاك، وحاول أن يفرض حكومته الخاصة، لكن أحداث الربيع العربي خاصة في سوريا، أربكت المشهد وجعلته يفقد بوصلته السابقة. ومن ينظر لوضع «حزب الله» الآن سيجده أنه تفرّغ للوضع في سوريا، ومن ثم أصبح لا يريد تفعيلاً لمؤسسات الدولة اللبنانية، وبالوقت نفسه هو لا يريد أن تنهار هذه المؤسسات، حتى لا تكون الأعباء عليه كبيرة، ولأنه أيضاً يعدّ لبنان بيته الداخلي، لذا فإن موضوع الفراغ الرئاسي سيبقى قائماً لحين تقدّم الأحداث في سوريا.
- باستثناء تدخل «حزب الله» في سوريا، ما مصلحة «حزب الله» في عدم وجود رئيس للبنان؟
} في تقديري أن «حزب الله» يدرك أنه لا يمتلك أي غطاء للتدخل العسكري في سوريا،  فقد توافر للحزب الغطاء من قبل في موضوع سلاحه باعتباره سلاح مقاومة، والآن وبعد تدخل الحزب في سوريا نزعت عنه صفة المقاومة، وأصبح مثار نقد داخل الساحة اللبنانية.
وبالتالي فإن الحزب يدرك أن وجود رئيس للدولة، سيجعله محل انتقاد من هذا الرئيس، لتدخله في سوريا، حتى لو كان هذا الرئيس هو ميشيل عون نفسه المقرب من «حزب الله»، ولأنه استوعب ما فعله من قبل الرئيس ميشيل سليمان، علماً بأن «حزب الله» رغم قوته وسطوته على الدولة اللبنانية، تزعجه أي كلمة نقد، كما أنه يريد أن يتفرغ كلياً للمعركة في سوريا.
انتخاب الرئيس
- قد يكون مبرراً للحزب ألا يقبل برئيس تابع لقوى 14 آذار.. لكن ما مبرّره في الاعتراض على رئيس حليف له مثل ميشيل عون مثلاً؟
} الكل يعلم أن المرشحين للمنصب هم من حلفاء «حزب الله»، سواء أكان حليفه التقليدي ميشيل عون أم سليمان فرنجية، المرشح من قِبَل الرئيس سعد الحريري، ومع ذلك لم يقبل بهما «حزب الله»، لأنه لا يأمن لطبيعة تصرف أي رئيس، ولا يضمن أداء أي شخص يكون في هذا المنصب، حتى لو كان حليفه الاستراتيجي، كما أنه يدرك أن أي شخص «مسيحي» يدخل قصر بعبدا لا بدّ أن ينحاز حتماً إلى بيئته الحقيقية، والبيئة المسيحية الآن ترفض تصرفات الحزب. كما أن الفراغ الدستوري، وعدم تفعيل مؤسسات الدولة، يعدّ ورقة يمسك بها «حزب الله» من أجل المناورة والتفاوض عليها، وإعادة رسم التركيبة السياسية اللبنانية.
- هل ترشيح سمير جعجع لميشيل عون جاء بعد تلميح الثاني إلى فك الارتباط مع «حزب الله»، أم هناك أسباب أخرى؟
} ترشيح سمير جعجع لميشيل عون جاء من قبيل أن الأول تأكد من رفض «حزب الله» لعون، ومن ثَم هو أراد إحراج الحزب في ترشيح عون، خاصة أن الحزب ردد أن مرشحنا هو ميشيل عون، بل ودائماً كان يصرّح «إما أن تقبلوا بعون أو يكون البديل هو الفراغ»، لكن هذا الأمر تبدد عندما رشح جعجع عون لمنصب الرئاسة، وأتوقع أن يقوم ميشيل عون بفك ارتباطه بحزب الله، لكن هذا الأمر قد يكون في المستقبل.
- لماذا يعقد البرلمان جلسات لانتخاب الرئيس وصلت إلى أكثر من أربعين جلسة ولا يوجد قرار حقيقي لانتخابه؟
} هذه الجلسات تهدئة للرأي العام، وهي شكل بروتوكولي لا يقدم ولا يؤخر، ورئيس المجلس النيابي يعتبر ذلك ضمن إطار واجبه الدستوري، حتى لا يتهم بأنه هو من يعطل انتخاب الرئيس، وبالتالي هو يقوم وكتلته بالواجب من الناحية الشكلية، ولكن من يمنع النصاب هو حزب الله وحلفاؤه المسيحيون، ومن المفارقات أن عون وفرنجية ذاتهما المرشحين لمنصب الرئاسة، لا ينزلان إلى المجلس ليؤمنا اكتمال النصاب.
- ما رؤيتكم الخاصة لحل المشكلة اللبنانية؟
} المشكلة اللبنانية تحتاج إلى تضافر جهود أكبر من واقع الساحة اللبنانية، فمشكلتنا لا يقوى الفرقاء اللبنانيون على حلها وحدهم، وهذا ناتج من وجود فريق يملك قدرات عسكرية أكبر بكثير من قدرات الدولة، في مقابل قدرات ضعيفة للقوى اللبنانية الأخرى.
فالواقع اللبناني بين نقطتين فارقتين، إما أن تدخل جميع الأطراف في صراع مباشر مع حزب الله يعيدنا إلى طاولة حوار حقيقي، وهذا الخيار سيدفع لبنان بسببه ثمناً باهظاً، وقد تكون حرب أهلية لا تبقي شيئاً في لبنان، أو يكون هناك تدخل إقليمي ودولي يعيد التوازن لهذا الوضع القائم، وهذا قد يكون غير متاح الآن بشكل قوي، خاصة أن الأزمات التي تعصف بالمنطقة تستنزف طاقات القوى الإقليمية والدولية. فهناك أزمات أكثر سخونة من الأزمة اللبنانية، في سوريا والعراق واليمن، وبالتالي هذا يتيح لمشروع «حزب الله» أن يستمر لفترة أطول، لذا فنحن نحتاج لصبّ جهودنا لفترة أطول من أجل تجنيب لبنان الصراع الداخلي، وفي الوقت نفسه علينا أن نعيد التوازن، وطالما أنه مفقود في الساحة اللبنانية فليس هناك مخرج من هذا الواقع.
مشروع الجماعة الإسلامية
- لكن، هل لدى الجماعة الإسلامية مشروع موازٍ لمشروع حزب الله في لبنان؟
} حتى أكون صريحاً في هذا الاتجاه، إن مشروع «حزب الله» ليس ذاتياً، وليس بمشروع لبناني، بل هو مشروع ولد في إيران، ودُعم من النظامين الإيراني والسوري على مدار أكثر من ثلاثين سنة. فلا يوجد لدى «الجماعة الإسلامية» البعد الإقليمي الموجود عند «حزب الله»، وليست مدعومة من أي دولة أو نظام، حتى أستطيع أن أقول إن لدينا مشروعاً، أو نستطيع أن نصنع مشروعاً على مستوى مشروع «حزب الله»، لأن الجماعة الإسلامية كانت ولا تزال وستبقى فريقاً لبنانياً، يعمل وفق الأجندة اللبنانية، وما تمليه عليه قناعتها.
- هل لديكم مشروع مقاومة؟
} الجماعة الإسلامية هي مشروع مقاومة قبل «حزب الله»، لكنها حوربت ومنعت من قِبل النظام السوري حتى لا تُكمل مشروعها، ومع ذلك فهي لا تزال تعمل وفق هذا المشروع، وتتحرك بجهودها الذاتية لتحقيقه.
- لكن هل تستطيع الجماعة أن تكون فريقاً وحدها في موازاة  حزب الله؟
} أعتقد أنه من الناحية العملية لا تستطيع تحقيق ذلك لعدم وجود الفرصة المناسبة. وأنا أقول إن من واجب الجماعة وغير الجماعة أن يفكروا في هذا المشروع، لأن الواقع اللبناني يفرض مثل هذا التفكير، ليس من أجل الذهاب باتجاه حرب أهلية بين هذه القوى و«حزب الله»، ولكن تفرّد حزب الله بالقوة سيجعله مستقبلاً يفكر بطريقة بعيدة كل البعد عن المنطق، وعن إمكانية الجلوس إلى طاولة حوار حقيقية، من أجل صياغة شراكة وطنية.
أولويات الجماعة
- ما أولويات «الجماعة الإسلامية» في المرحلة الحالية؟
} نحن الآن لدينا أولوية وحيدة هي إعادة ترتيب البيت الداخلي للطائفة السنّية، لأنها هي الطائفة الوحيدة التي تتشتت قواها، وليس لها أي مرجعية توحدها. وقد رأينا جميع الطوائف في لبنان -بالرغم من تباينها وخلافاتها- متفقة على مشروع واحد، إلا الساحة السنية التي بها تشتت وتشرذم كبير، وهذا ما يجعل الجميع يتغول على هذه الطائفة، ويتدخل بشؤونها.
لذا فأولويتنا كـ«جماعة إسلامية» الآن أن نُجَمّع هذه الطائفة بمكوناتها الإسلامية، والوطنية العامة، لأنه لا بدّ أن تجتمع هذه القوى على رؤية واحدة، بما يحقق مصالح المسلمين السنّة في لبنان، ويواجه التهديدات التي تطالهم، خاصة تلك المتعلقة بالإرهاب.
- هل تعتقد أن حزب الله سيستطيع تعويض الخسائر العسكرية التي مني بها في سوريا؟
} لا أظن أن الحزب سيقدر على تعويض هذه الخسائر، فالحزب يتعرض لحالة من الاستنزاف، والقوى الأخرى أيضاً، وهذا الاستنزاف ستكون له انعكاسات سلبية، سواء على مستوى البيئة الحاضنة، أو على المزاج الشعبي اللبناني، الذي كان ينظر للحزب على أنه مقاوم، والآن يراه يواجه مَن يفترض أن يكون حليفا له، أي الشعب السوري.
- من أقرب إليكم، الطائفة المسيحية أم الشيعية؟
} الطائفة السنّية حتماً لديهم تقاطع مصالح مع الطائفة المسيحية، وكذلك مع الساحة الشيعية أيضاً، خاصة التي تريد أن تخرج عن الصورة التي يريدها «حزب الله» في هذه الساحة، لكن ظروفها قد لا تسمح الآن، لذا فأتصور أن هذا الهدف غير قابل للتحقيق في ظرف قريب، والمشوار قد يكون طويلاً في هذا الاتجاه. 
- ما الذي جعل «حزب الله» يتمدد ويسيطر على الدولة اللبنانية بهذا الشكل.. هل لوجود دعم إقليمي، أو لعدم وجود منافس محلي؟
} باعتقادي إن التوازن الذي كان موجوداً سابقاً ما بين قوى 14 و8 آذار اختلّ بسبب انفراط عقد قوى 14 آذار، بعد أن فشلت في تكوين رؤية مشتركة، واختلفت أهدافها في مرحلة ما، والبعض خضع للضغوط والخوف، وهو الذي جعل أول انسحاب من التيار لوليد جنبلاط في أعقاب اجتياح «حزب الله» للعاصمة بيروت في أيار 2008، وبالتالي أصبح هناك اختلال سياسي وليس فقط ميداني، لذا أدعو لعودة هذا التوازن، حتى يكون هناك حوار على أسس متقاربة، فالطرف الذي يظن أنه الأقوى سيتمسك برأيه ولن يقدم أي تنازل، لذلك فإن المدخل لحل الأزمة اللبنانية هو بناء توازن حقيقي ما بين القوى في الساحة اللبنانية.