بسام غنوم

عادت الأزمة الحكومية لتطل برأسها على خلفية التمديد للقيادات الأمنية والعسكرية التي يعترض عليها «التيار الوطني الحر» من منطلق أنه ضد التمديد، ويطالب مجلس الوزراء باختيار قائد جديد للجيش على أساس الانتخاب، رغم أن كل القيادات السياسية في البلد، ومنها «حزب الله»، الحليف الأساسي للعماد عون مع التمديد للجنرال جان قهوجي مدة سنة ريثما يجري التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
إلا أنه رغم الإجماع الوطني والحكومي على عدم المساس بالوضع المتعلق بقيادة الجيش لأسباب كثيرة، منها عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم التوافق على مرشح آخر لقيادة الجيش، وحالة التشرذم السياسي التي يعاني منها البلد.. يصرّ التيار الوطني الحر على افتعال أزمة حكومية تحت هذا العنوان، وهو ما ترك تساؤلات كثيرة عن الخلفيات التي ينطلق منها «التيار الوطني» في معارضته للتمديد لقائد الجيش، ومنها:
- هل هو فعلاً بسبب رفضه للتمديد للقيادات العسكرية والأمنية، أم من أجل الضغط على «تيار المستقبل» في ما يتعلق بالملف الرئاسي؟
- أم ان ذلك مرتبط بالمشاكل التي يعاني منها جبران بالسيل (رئيس الحزب) داخل التيار الوطني الحر، في ظل تنامي وتوسع حركة الاعتراض على سياساته ومواقفه داخل التيار وخارجه؟
وهناك رأي آخر يقول إن حركة الاعتراض الحكومي التي بدأها التيار الوطني الحر عبر مقاطعة الجلسة الأخيرة للحكومة كان الهدف منها ابتزاز الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل» من أجل فرض انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية؟
أياً تكن أسباب الأزمة المفتعلة من قبل التيار الوطني الحر في ما يتعلق بالوضع الحكومي، فإن ذلك يقودنا إلى السؤال الآتي: هل هناك توجه لدى «حزب الله» لافتعال أزمة حكومية من أجل فرض خياره الرئاسي والسياسي على «تيار المستقبل»؟
تبدو الأزمة الحكومية الحالية مفتعلة ومنسقة بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، فالتيار أخذ قراراً بمقاطعة الجلسات الحكومية تحت عنوان رفض التمديد للقيادات الأمنية والعسكرية، وتحديداً قيادة الجش، وتولى «حزب الله» الدفاع عن هذا القرار تحت عناوين شتى، منها:
أن الأزمة الحكومية هي بسبب إدارة «تيار المستقبل» الظهر للتيار الوطني الحر، وقد اعتبر النائب حسن فضل الله أن «التيار مكوِّن أساسي في البلاد ولا يستطيع أحد تجاهله أو تجاوزه، ونحن ضد سياسة إدارة الظهر التي تهدد كيان الدولة» وأضاف: «إن الأزمة القائمة على مستوى الحكومة والسلطة والشغور الرئاسي هي بسبب إدارة الظهر من قبل حزب المستقبل للتيار الوطني الحر».
أما رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، فقد أعطى للأزمة الحكومية بعداً آخر أخطر بكثير من سياسة إدارة الظهر التي تحدث عنها النائب حسن فضل الله، فقد اعتبر أن «الاستمرار في اضطهاد التيار الوطني الحر تحول الى اضطهاد للمسيحيين في لبنان»، وأضاف في ما يشبه التهديد لتيار المستقبل واللبنانيين: «نحن جميعاً ندرك أن الاضطهاد والحرمان يؤديان إلى هز مقوّمات الدولة والاستقرار».
ويتناغم كلام النائب فضل الله عن اضطهاد المسيحيين من قبل «تيار المستقبل» مع الظهور المريب لما يسمى «حماة الديار» بقيادة رالف الشمالي الذي ظهر في صورة له على أحد مواقع التواصل الاجتماعي في ريف حلب قرب طريق خناصر بعد مواجهات بين المعارضة السورية والجيش السوري وحزب الله. فهل يريد «حزب الله» ابتزاز «تيار المستقبل» وباقي اللبنانيين بمثل هذه المواقف والتحركات من أجل فرض انتخاب عون رئيساً للجمهورية؟
اللافت في الأزمة الحكومية الجديدة هو التناغم في المواقف من الوضع الحكومي بين مواقف «حزب الله» و«التيار الوطني الحر»، الذي بدأ باستخدام مصطلحات دينية في وجه معارضي سياسته، حيث رأى رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أنه «ملعون من الله كل من يحاول اقتلاعنا من هذه الأرض، وملعون منا كل من يحاول اقتلاعنا من رئاسة الجمهورية ليأتي برئيس غير ميثاقي... وكل من يحاول اقتلاعنا من مجلس النواب، لأنه يفصل قانوناً غير ميثاقي، وكل من يحاول اقتلاعنا من الحكومة بعقد جلسات لها غير ميثاقية»!
ويظهر من هذه المواقف التي يعلنها حزب الله والتيار الوطني التي تنطلق من خلفيات طائفية ومذهبية، أنها حملة منسقة تحت العنوان «الطائفي والمذهبي» يقودها «حزب الله» لفرض خياراته السياسية على «تيار المستقبل» واللبنانيين، مستغلاً حالة الإرباك السياسي التي يعيشها الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، بسبب الأزمات الداخلية التي تعصف  بـ«المستقبل» أولاً، وبسبب انصراف الاهتمام السعودي الى أزمات المنطقة، ولا سيما في سوريا واليمن ثانياً، وبسبب المشاكل المالية التي يرزح تحتها الرئيس سعد الحريري ثالثاً.
وبالتالي فإن «حزب الله» يعتقد ومعه «التيار الوطني الحر» أن الفرصة مناسبة سياسياً وشعبياً من أجل الانقضاض على الرئيس سعد الحريري و«تيار المستقبل» أولاً عبر الضغط على الوضع الحكومي، وثانياً من طريق وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي قاطع الجلسة الأخيرة للحكومة، حرصاً منه على عدم تجاوز التيار الوطني أو استفزازه، وعلى دفع الرئيس سعد الحريري الى القبول بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، كما قالت بعض الأوساط المطلعة في «تيار المستقبل».
باختصار، الأزمة الحكومية الحالية عملية ابتزاز سياسي واضح من قبل «حزب الله» في وجه الرئيس سعد الحريري عبر التيار الوطني لفرض خياراته الحزب على اللبنانيين.. فهل يصمد الرئيس الحريري و«تيار المستقبل» في وجه هذه المحاولات؟