بسام غنوم

فيما تغرق الساحة السياسية في جدل عقيم حول قانون الانتخاب، حيث بات الحديث فيه مثل قصة ابريق الزيت لا يعرف أحد له نهاية، تعيش المدن والقرى اللبنانية في ظل حالة من الفلتان الأمني لا سابق لها، حيث كل يوم هناك خبر عن جريمة قتل بطلها أحد المجرمين المطلوبين الذين يسرحون ويمرحون دون إلقاء القبض عليهم. فبعد جريمة بلدة قب الياس البقاعية التي ذهب ضحيتها طلال العوض وخليل قطان على يد أحد المجرمين المخمورين في ما عرف بجريمة «النسكافيه»، سقط خليل الصلح في بعلبك برصاص بعض الزعران في المدينة، وهو ما أثار ردود فعل مستنكرة بين أهالي وفعاليات المدينة التي تشكو من حالة الفلتان الأمني المستشري في المنطقة. وما كاد أهالي البقاع يفيقون من جريمة قتل خليل الصلح حتى سقطت سارة سليمان في زحلة على يد أحد المطلوبين بسبب خلاف على أفضلية المرور.
ولا يقتصر الأمر بالنسبة إلى حالة الفلتان الأمني المستشري على منطقة البقاع، فبعد إطلاق نار وإلقاء قنبلة في أحد أسواق منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية من قبل تجار مخدرات، تداعى أهالي وفعاليات برج البراجنة إلى اعتصام «رفضاً لحالة الفلتان الذي يضرب أحياءهم، ويعرّض ممتلكاتهم وأعراضهم للاعتداء والتحرش» كما جاء في بيان لفاعليات برج البراجنة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: مَن المسؤول عن حالة الفلتان الأمني التي تضرب المناطق اللبنانية، ولماذا تقف الدولة عاجزة أمام الزعران وتجار المخدرات؟
في ظاهرة لافتة، تبدو حالة الفلتان الأمني وتجارة المخدرات وكأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلاح الخارج عن سيطرة الدولة في مناطق معينة.
ففي منطقة البقاع التي تعتبر الساحة الرئيسية التي يستخدمها «حزب الله» في قتاله الى جانب النظام السوري، وحيث تتركز معسكراته التدريبية ومخازن سلاحه، ويعبر يومياً من البقاع الى سوريا مئات المقاتلين من «حزب الله»، تنتشر ظاهرة غريبة، هي ظاهرة السلاح المتفلت بين المواطنين الذي أودى بحياة العشرات، وآخرهم خليل الصلح في بعلبك وسارة سليمان في زحلة، إضافة إلى عمليات الخطف والابتزاز وفرض الخوة على الناس في أرزاقهم وتجارتهم. وتترافق ظاهرة الخطف والقتل والابتزاز مع تفشي تجارة المخدرات وتعاطيها في المنطقة، وقد امتدت الى كل المناطق اللبنانية، وفشلت الدولة مراراً وتكراراً في معالجة هذه المشكلة رغم إعلانها وضع أكثر من خطة أمنية في البقاع لمعالجة ظواهر الخطف والقتل وتجارة المخدرات.
وفي هذا السياق تداعى تكتل نواب بعلبك الهرمل الى اجتماع استثنائي للتداول في الأوضاع الأمنية في محافظة البقاع، وتلا النائب علي المقداد بياناً باسم المجتمعين، ومما جاء فيه: «إن تكتل نواب بعلبك الهرمل وباسم جميع القوى السياسية والبلديات والمخاتير والفعاليات، يتوجه الى المسؤولين جميعاً وإلى الأجهزة الأمنية ولمرة جديدة بطلب وضع حد نهائي لكل عمل مخل بالأمن... ولم يعد مقبولاً ولا مسموحاً أن يستمر الوضع على ما هو عليه مهما كانت المبررات».
وهنا نسأل: إذا كان «حزب الله» وكل القوى السياسية والفاعليات ضد استمرار حالة الفلتان في البقاع، فمن يغطي الزعران وتجار المخدرات؟
وهناك سؤال آخر: لماذا فشلت أكثر من خطة أمنية أعلنتها الحكومة في مكافحة أو الحد من مثل هذه الظواهر؟ هل لأن الزعران وتجار المخدرات أقوى من الدولة والقوى والأحزاب الفاعلة على الأرض، أم لأن هناك من يقدم الحماية والرعاية إلى هؤلاء المجرمين؟
هذا الواقع تجب مواجهته بصراحة وشجاعة، لأن الظواهر المرتبطة بالفلتان الأمني وتجارة المخدرات انتقلت إلى باقي المناطق اللبنانية ولم تعد تقتصر على منطقة البقاع.
ففي قلب الضاحية الجنوبية، في منطقة برج البراجنة، ارتفع صوت الفاعليات والتجار والأهالي بالشكوى من تفشي الفلتان الأمني، والابتزاز وتجارة المخدرات «الذي يضرب أحياءهم، ويعرض ممتلكاتهم وأعراضهم للاعتداء والتحرش، من قبل مجموعات «مافيوية» مرتبطة بالحالات الشاذة وتجارة المخدرات والممنوعات» كما جاء على لسان أحد مخاتير برج البراجنة في الاعتصام الذي أقاموه في منطقة عين السكة.
وفي منطقة النبطية تداعت الفاعليات السياسية والحزبية الى تحرك لإطلاق حملة للوقاية من المخدرات في 14 أيار الجاري، وقال النائب علي فياض إن ظاهرة المخدرات «انتشرت بين القرى ومن مدينة الى أخرى» وكأن هناك من يريد تجويف انتصاراتنا على العدوّ الإسرائيلي فوجهوا لنا عدواً آخر».
وهذا الكلام للنائب فياض لا يبشر بالخير، لأنه يعتبر حالة الفلتان الأمني وانتشار تعاطي المخدرات وكأنه مؤامرة موجهة من عدوّ ما إلى المقاومة وأهلها، والنائب علي فياض يعلم علم اليقين أن المخدرات تزرع في البقاع، والحبوب المخدرة تصنع هناك أيضاً، ولا دخل لأي عدوّ خارجي بزراعة المخدرات ولا بتصنيعها، ولا بيعها وانتشارها في مختلف المناطق اللبنانية.
في هذا الإطار، يحضرني كلام لأحد الأشخاص الذين عاصروا وجود منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان، فيقول إن منظمة التحرير كانت تدفع الأموال الطائلة للفاعليات والشخصيات الجنوبية، ومع ذلك وبسبب حالة الفلتان التي كان يمارسها الفلسطينيون والمرتبطون بهم، رحب أهالي الجنوب بالعدوّ الإسرائيلي عندما دخل إلى جنوب لبنان في العام 1982.
فهل ينتظر لبنان مصيراً أسود إذا استمرت الدولة في التغاضي عن ظواهر الفلتان الأمني وتجارة المخدرات؟}
بسام غنوم