العدد 1413 / 13-5-2020

بقلم: أيمن المصري

نحفظ جميعنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يحثّ على إخفاء الصدقة: "... ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه"، ونعلم من آداب فعل الخير أن يكون العطاء خالصاً لله، لا لغرض شهرة أو وجاهة..

يغلب على تفكيرنا التلقائي ضرورة إخفاء الصدقة، ويربط البعض قبول الله عزّ وجل للصدقة بأن تكون بالسرّ، حيث ضمان إخلاص النيّة. ونجد عند من يرى هذا الرأي إنكاراً على من يعلن صدقته، ليقترب من التشكيك بنيّته.

وأرى في هذا تشدّداً في غير محله.

فلو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدنا من آيات الإنفاق قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

جاء في التفسير: فيه بيان عموم الأوقات مع عموم الأحوال من الإظهار والإخفاء. وفي تقديم الليل على النهار، والسرّ على العلانية إيذان بتفضيلصدقة السرّ، ولكن الجمع بين السرّ والعلانية يقتضي أن لكل منهما موضعاً تقتضيه الحال وتفضله المصلحة، لا يحلّ غيره محله.

وبعيداً عن التفصيل التخصصي الشرعي، فلست أهله، لكن يفهم من تفسير الآية عدة نقاط:

1- الأفضل في العطاء أن يكون خفيّاً.

2- إعلان الإنفاق لا يتعارض مع إخلاص النيّة.

3- بعض المواقع يقتضي فيها إعلان الصدقة.

ولو عدنا إلى السيرة النبوية لوجدنا العديد من المواقف التي أعلن فيها الصحابة رضي الله عنهم صدقاتهم، وأثنى على فعلهم النبيّ عليه الصلاة والسلام، ولم ينكر عليهم الإعلان. فمن منا لم يسمع عن بذل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه في مواقف عديدة، ما دفع النبي إلى قول: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ»، وفي موقف آخر قال: «اللهمّ ارْضَ عَنْ عُثْمَانَ، فَإِنّي عَنْهُ رَاضٍ».

ولما كان الغالب عند الناس إدراكهم لفضل إخفاء الصدقة، فسأعرض لمواقع يستحسن فيها إعلان الصدقة، حيث تترتب مصلحة على الإعلان:

في رحاب شهر رمضان، شهر الخير، تكثر حملات التبرعات التي تنظمها الجمعيات الخيرية، لاسيما في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نعيش، فتكون الحملة عبر هواء مفتوح في الإذاعة، أو من خلال "غروبات الواتسآب". وغالباً تكون حصيلة هذا الشكل من الحملات كبيرة بحمد الله، بفعل التنافس الذي يجري بين أهل الخير (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، كما بفعل التحفيز الذي يبثه المتبرعون لغيرهم من الموسرين حتى يقتدوا بهم ويتبعوا خطاهم بالبذل والعطاء. وهذا كله لا يكون إلا بإشهار الصدقة وإعلانها.

وقد راجت في الآونة الأخيرة ظاهرة جميلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تحدّي فعل الخير بين الأصدقاء، حيث أقوم أنا – مثلاً - بتحدّي شخصين أو عدة أشخاص لفعل شكل معيّن من أعمال الخير (تبرّع بمبلغ معيّن أو إطعام عدة مساكين...)، فيقوم الذين ورد اسمهم في المنشور بتنفيذ التحدّي، ثم يرسلون تحدّياً لأشخاص آخرين.. فتتوسع الدائرة أكثر فأكثر.

أليس في هذا الشكل تشجيعاً للجمهور على فعل الخير وتوسيعاً لدائرة أهل الخير؟ بالتأكيد بلى.

تخيّلوا الأثر الذي يتركه مشهد امرأة تحضر إلى الاستديو تحمل مصاغها من الذهب وتعلن تبرّعها به للمحتاجين، أو امرأة أخرى جاءت بخاتم زواجها وقالت: لا أملك غيره من ذهب، أتصدّق به لوجه الله.. أو طفل جاء يحمل بيده حصّالته التي يجمع فيها من مصروفه اليومي، ويقول: أتبرع بها للمعوزين!! ألن يكون مشهداً مؤثراً تدمع له العين، ويدفع المشاهد لا شعورياً للتبرّع بما تجود نفسه؟

أما النوايا، فهي بين الإنسان وربه، شأن هذا العمل شأن كل الطاعات والعبادات التي يفعلها الإنسان. فلا يحق لنا التشكيك بالنوايا.