العدد 1369 / 10-7-2019

قال أستاذ جامعي في مقال نشره موقع "أوريان 21" الفرنسي إن ما يحدث في السودان والجزائر ليس تكرارًا للربيع العربي، بل حراكا استخلص أصحابه العبر من أخطاء من سبقوهم في الدول العربية الأخرى.

وذكر الباحث المشارك في مركز "ويذرهيد" للشؤون الدولية بجامعة هارفارد هشام العلوي أن احتجاجات الجزائر والسودان منحت الربيع العربي زخما جديدا بعد انقطاعه المؤقت عامي 2012 و2013 نتيجة مساعي محور الثورة المضادة الذي تزعمته الرياض وأبو ظبي والقاهرة، والذي تحولت بعض انتفاضاته إلى حروب أهلية فاقمها الاستقطاب الجيوسياسي في المنطقة بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران وروسيا.

أما الانتفاضتان الجزائرية والسودانية لعام 2019 فإنهما -حسب الكاتب- لا تكتفيان بتكرار أوضاع الربيع العربي فحسب، بل تعمقانها وتوسعان نطاقها، وتثبتان أن التركيبة الاجتماعية للمقاومة قد تغيرت.

وأبرز الكاتب أن المحتجين الجدد تعلموا من دروس عام 2011، فهم يدركون الآن أن إسقاط الرؤساء لم يعد يكفي، بل لا بد من تضافر الجهود وحشد جميع القوى ضد أنظمة الحكم المعقدة والمتشابكة التي تشمل الفصائل العسكرية والبيروقراطية والجماعات المحافظة داخل الدولة، هذا فضلا عن كون هذين الحراكين لم يقتصرا على التظاهر في أماكن عامة بعينها، بل كانا أكثر انتشارا.

ولفت إلى أن وصول هاذين الحراكين في بداية مشوارهما إلى طريق مسدود كان أمرا حتميا، مشيرا إلى أن "القوى الاجتماعية تطالب بتحول سياسي كامل، وتصطدم بأنظمة استبدادية عنيدة تتمثل إستراتيجيتها المفضلة بتضليل خصومها وزرع الخوف في صفوفهم.

سيناريوهات الجزائر

وأورد الكاتب مقارنة بين حراكي الدولتين، قائلا إن "السياسة في الجزائر والسودان طالما حددتها مكانة الجيش المركزية في الدولة، إلا أن الحالة ليست نفسها في كل من الجزائر والسودان، ونجد في الاختلاف بينهما تفسيراً للتباعد المتزايد بين كلا المسارين".

فالجيش في الجزائر حكم خلف واجهة مدنية منذ العام 1965، كما أنه يشكل العمود الفقري لسلطة الدولة، إلا أنه ليس طبقةً من الأعيان كما هي حال جيش مصر، بل يستمد شرعيته الشعبية من مكافحته للاستعمار ومن الدور الذي لعبه في تحرير الوطن.

وأضاف أنه "حتى لو كان الفساد قد طال عدداً كبيراً من جنرالات الجيش الجزائري، فليس لدى هذا الجيش مصالح اقتصادية ذاتية كما هي الحال في مصر، حتى لو كان يفلت في الوقت نفسه من المحاسبة المدنية فيما يتعلق بنفقاته الداخلية".

ولأن الجيش الجزائري حسب رأي الكاتب، لا يريد أن تكون هناك سلطة لا يتربع هو عليها، فلم يبق أمامه إذن سوى ثلاثة سيناريوهات: الأول أن يتدخل بقبضة من حديد ويفرض دكتاتوريته كما هي الحال في مصر، وهو احتمال ضعيف جداً.

السيناريو الثاني أن يحاول سلوك الطريق الوعر عبر المتاهة المؤسساتية، إلا أن الشعب لا يتراجع ولا يبدو مستعداً لمنحه مخرجاً يحفظ ماء الوجه.

أما الثالث فهو أن يتريّث حتى يمل المتظاهرون ويتعبوا فيقترح حلا مختلطاً من أجل إرساء نظام جديد، معتمداً في ذلك على انقسام المعارضة، بحيث يتمكن من الحفاظ على مكانة العسكر المركزية داخل النظام. إلا أن الضغوط ستستمر وتتعاظم مطالبة بتغيير حقيقي، وكل ما سيحققه الجيش هو مجرد تأجيل للقدر المحتوم، حسب الكاتب.

الحالة السودانية

ويرى العلوي أن السيناريو السوداني يتناقض بشدة مع السيناريو الجزائري من حيث المعايير الهيكلية، مما يفسر تدابير القمع الأخيرة في حالة السودان، وتبرز ثلاثة أمور أساسية يقول الكاتب إنها تميز بين الحالتين.

أولا- ليس للجيش السوداني المكانة النبيلة والشهادات الوطنية التي تتحلى بها القوات المسلحة الجزائرية، إذ تدخل الجيش السوداني في السياسة في مناسبات عدة منذ خمسينيات القرن الماضي ولم يكن ذلك دوماً لحماية مصالح الأمة، بل نافس السياسيين في مجالهم.

ثانيا- الجيش السوداني غير موحد، وقد أدت الانشقاقات الداخلية الواضحة إلى نشوب فوضى عارمة خلال مظاهرات نيسان الماضي، واصطدم الجنود بقوات الأمن التابعة للرئيس المعزول عمر البشير.

ثالثا- على عكس ما حصل في الجزائر، حافظ المجتمع المدني والمنظمات الاجتماعية السودانية على استقلال ذاتي قوي، وهو ما يرجعه الكاتب إلى التراث التاريخي من التعددية والنشاط الحزبي في السودان، حيث كانت عدة تيارات سياسية متنافسة -ومن ضمنها الإسلاميون- تحشد القوى الاجتماعية المختلفة لضمان شرعيتها.

وهذا ما يفسر -حسب الكاتب- القمع الشرس الذي شهدناه في السودان، إذ "بدت الانتفاضة أشد خطراً في نظر الجيش هناك، لأنها كانت تتحلى بقيادة أقوى واستقلالية ذاتية وتماسك سياسي".