ميليا بو جوده

خلعت أحياء بيروت وشوارعها كلّ تلك اللافتات والصور التي كستها خلال الشهرَين الماضيَين، مروّجة لمرشّحين ولوائح خاصة بالانتخابات النيابيّة الأخيرة التي أجريت في السادس من أيار. وها هي تتهيأ للزينة الخاصة بشهر رمضان الذي يحلّ خلال يومَين. 
المدينة تأخّرت في ارتداء حلّة الشهر الفضيل، غير أنّ ذلك لا يعود إلى الأحوال المعيشيّة التي يشكو الناس من تدهورها، إنّما إلى تلك الانتخابات التي سيطرت حملاتها على الحيّز العام في العاصمة وكذلك في مختلف المناطق اللبنانيّة. حتى اليوم، ما زالت الألوان المبهجة والأشكال المحبّبة التي اعتادها أهل العاصمة وزائروها غائبة. وهؤلاء ينتظرون تلك الزينة التي تفرح الصغار مثلما تبهج الكبار الذين ترهقهم شؤون الحياة، والتي تأتي غالباً على شكل فوانيس ملوّنة أو مجسّمات لأطفال ضاحكين من إعداد جمعيّات أو هيئات تُعنَى إمّا بالأيتام وإمّا بالعجزة وإمّا بشؤون تنمويّة. إلى جانب تلك الزينة التي تأتي بكلفة ليست بسيطة، غالباً ما تُعلَّق أمام البيوت وعند مداخل المباني أشرطة ولمبات ملوّنة مع فوانيس صغيرة. يُذكر أنّ أهل العاصمة وزائريها بدأوا يلاحظون الأشرطة الملوّنة في عدد من المحال التجاريّة، لا سيّما تلك التي تبيع المواد الغذائيّة وكذلك الحلويّات. 
وترحّب محال الحلويّات المنتشرة في المناطق الشعبيّة بالشهر الذي اقترب هلاله، مع الرسومات التي زيّنت واجهاتها الزجاجيّة التي تتخلّلها عبارة «رمضان كريم»، فالحلويّات من أساسيّات المائدة الرمضانيّة، خاصة أنّ ثمّة أصنافاً منها لا تظهر إلا مع بدء الشهر الفضيل وتختفي بمجرّد حلول عيد الفطر. 
من جهتها، راحت المحال التي تبيع المواد الغذائيّة تتهيأ لشهر رمضان، فعرضت في أماكن بارزة من صالاتها، الصغيرة أو الكبيرة، زجاجات أو أوعية جلّاب وتمر هندي وقمر الدين، التي لا تستلزم سوى إضافة مياه باردة إليها لإعداد المشروبات التي تنعش الصائمين، خصوصاً وسط الحرّ. ومن يرغب، فإن بإمكانه إضافة الصنوبر واللوز والزبيب إلى الجلّاب. وهذه الأنواع من الشراب تشيع خلال هذا الشهر، لتختفي بعده. وفي أماكن بارزة من تلك المحال، تُعرَض كذلك عبوات الشوربة (الحساء) السريعة التحضير، فالشوربة هي الطبق الرئيسيّ الثاني على المائدة الرمضانيّة بعد الفتّوش. ولتسهيل المهمّة على ربّة المنزل، إذا كانت على عجلة من أمرها، فإنّ في إمكانها تحضير هذا النوع من الشوربة بدلاً من شوربة الخضار أو العدس اللتَين تستلزمان وقتاً. المائدة الرمضانيّة التي تعدّها ربّات المنازل تتضمّن أصنافاً عدّة، تبدأ بالفتّوش والشوربة مروراً بالمقبّلات المختلفة والطبق الرئيسيّ أو الطبقَين الرئيسيَّين قبل أن تنتهي بالحلويّات. 
وتلك المائدة، وبهدف توخّي الدقّة، تبدأ بالتمر وليس بالفتّوش أو الشوربة. اللقمة الأولى لا بدّ من أن تكون حبّة تمر أو حبّتَين أو ثلاث حبّات أحياناً. لذا نجد علب التمر بأنواعه المختلفة، خضري وسكري وعنبري وغيرها، معروضة في أبرز أمكنة من المحال التجاريّة وفي بعض محال الحلويّات، وكذلك على عربات باعة متجوّلين. وتلك العربات تؤمّن لأهالي المناطق الشعبيّة خلال أيّام رمضان، العصائر الطازجة بالإضافة إلى مشروبات الجلّاب والتمر هندي وقمر الدين الجاهزة. وبعد أيّام، لا شكّ في أنّ زحمات سوف تُسجّل حول تلك العربات قبيل الإفطار، وكذلك أمام محال الحلويّات. «راغدة» لن تكون من هؤلاء الذين سوف يتزاحمون لشراء المشروبات الجاهزة، «فأنا لا أعرف من حضّرها وإذا كانت يداه نظيفتان أم لا». تضيف ضاحكة: «ربّما أعاني من وسواس قهريّ. لذا اشتريت عبوة سعة أربعة ليترات من الجلّاب، هكذا أحضّره لعائلتي وضيوفي على هواي. على أقلّ تقدير، أعرف أنّ المياه التي أستخدمها في التحضير صالحة للشرب».
وراغدة كانت قد قصدت أحد المتاجر الكبرى في بداية شهر أيار، واشترت ما يلزمها من عدس وأرزّ ومعكرونة وعصير طماطم وزيت للقلي، بالإضافة إلى بعض الخضار المعلّبة من قبيل الذرة وبعض أنواع التوابل التي قد تَلزمها عند تحضير أطباق المائدة الرمضانيّة، دون أن تنسى «المكسّرات ولا المشمش المجفّف والزبيب ولا التمر بالتأكيد. هذه مونة الشهر الاعتياديّة مع بعض المشتريات الإضافيّة. أمّا اللحوم والخضار فلا أشتريها إلا طازجة».}