العدد 1345 / 16-1-2019

يتوقع الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، أن يدجن الإعلام الغربي، عندما يرد على أسئلة أحد ممثلي هذا الإعلام، أسوة بما يفعله في تعاطيه مع الإعلام المحلي أو العربي. يفاجأ الجنرال بـ"وقاحة" صحافي برنامج "ستون دقيقة" على شبكة سي بي أس الأميركية، عندما يسأله عن مصير 60 ألف سجين سياسي معتقل في مصر دون محاكمات عادلة، وحتى من دون أي محاكمة على الإطلاق، وهو العدد الذي قدمته منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية. يرسم السيسي ابتسامته الساخرة المعهودة، متعرّقاً هذه المرّة، ليرد بالسذاجة المعتادة: لا أعلم من أين جلبوا هذا الرقم. يستمر المحاور في طرح أسئلته التي يبدو أن السيسي لم يتوقعها، على بداهتها، ويستمر الجنرال في التعرّق. تحاول السفارة المصرية أن تتدخل من أجل منع بث المقابلة، فتردّ المحطة بفضح الطلب وترويج المقابلة فتحقق انتشارا أوسع للمقابلة. قد يكون السيسي على حق. إذ يبدو رقم ستين ألف سجين سياسي لعالم الثورات المضادة اليوم قليلا جدا نسبة إلى حجم السجون، وعدد نزلائها من المحيط إلى الخليج. هل من يقدر عدد سجناء الرأي في السعودية ومصر وغيرهما، بما في ذلك المغمورون ممن لا يتداول الإعلام حالات توقيفهم؟

لا تثير السمعة السيئة لنظام السيسي في حقوق الإنسان أكثر من ابتسامته الصفراء. باتت أخبار التعذيب إلى حد الموت في مخافر الشرطة والتوقيفات التعسفية والاختفاء القسري والموت في السجون المكتظة، حيث أشكال سوء المعاملة والحرمان من العلاج الطبي والمحاكمات العرفية أمام القضاء العسكري، والإعدامات الجماعية، وعمليات القتل خارج القانون عبر تصفية إرهابيين مزعومين.. باتت مادة دسمة لتقارير منظمات حقوق الإنسان عن أسوأ أزمة حقوقية تشهدها البلاد في تاريخها المعاصر. الغالبية العظمى من هؤلاء موقوفون بدون محاكماتٍ لمدد قد تفوق العامين، وهي مدة التوقيف ما قبل المحاكمات "القانونية" في مصر.

لا يزال الباحث والإعلامي هشام جعفر قيد التوقيف الاحتياطي، على الرغم من انقضاء مدة العامين. ومثله المصور الصحافي محمود أبو زيد (شوكان) الذي لا يزال محتجزا، على الرغم من انقضاء الخمس سنوات، فترة عقوبته، لالتقاطه صور عملية الفض الدموية للاعتصام في ميدان رابعة العدوية، والتي راح ضحيتها حوالي الألف من المعتصمين من مؤيدي "الإخوان المسلمين"، في آب 2013. وكانت منظمة اليونسكو منحته جائزتها لحرية الصحافة. وبحسب اللجنة المصرية للحقوق والحريات، نفّذت أجهزة الأمن عمليات إخفاء 165 شخصا على الأقل، بين كانون الثاني و آب من العام الماضي (2018). بعض "المختفين" عُثر على جثثهم في عمليات تقول الأجهزة إنها نفذتها ضد مطلوبين. امتدت حملة التوقيفات أخيرا لتشمل محامين وناشطين حقوقيين يتولون الدفاع عن الموقوفين. وتقول "هيومان رايتس ووتش" إن أربعين محاميا، على الأقل، تم توقيفهم منذ تشرين الأول 2018.

في الإمارات، تم تثبيت الحكم بالسجن عشرة أعوام بحق الناشط الحقوقي، أحمد منصور، بتهمة تشويه سمعة بلاده في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد انتقاده انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة، في تغريداتٍ، بما في ذلك ملاحقة ناشطين في قضايا تعبير عن الرأي.

"سيستمر السيسي ورفاقه من أباطرة القمع في المنطقة في الضحك، وستستمر السجون في الاتساع" وكذا في البحرين، حيث تم تثبيت الحكم بالسجن خمسة أعوام على الناشط الحقوقي نبيل رجب، بعد انتقاده التعذيب في السجون البحرينية والحملة العسكرية في اليمن. ويبقى نظام الأسد عرّاب التعذيب الأول في المنطقة. وتقدر منظمات حقوق الإنسان عدد المختفين في سجون التعذيب السورية 82 ألف سجين، كان النظام بدأ بتسليم أهاليهم إشعارات بالوفاة العام الماضي، بمعدل مئات الإفادات. وكشف تحقيق لصحيفة واشنطن بوست عن عمليات تصفية للسجناء السياسيين، يتم نقلهم من مختلف السجون، ليتم إعدامهم في سجن صيدنايا، في إعداماتٍ جماعيةٍ شنقا قبيل الفجر.

ماذا بعد؟ سيستمر السيسي ورفاقه من أباطرة القمع في المنطقة في الضحك، وستستمر السجون في الاتساع. مع عودة الأسد إلى الساحة الدولية، سنعود إلى مرحلة تطبيع القمع بأشد أشكاله باسم محاربة الإرهاب من أجل الاستقرار في المنطقة. سيعود رهاب الإسلاميين، ليشكل السلاح الأمضى في قمع الحريات. أليس كل الموقوفين الستين ألفا متطرفين خطرين، كما وصفهم السيسي في حديثه لـ"سي بي أس"؟

فاطمة العيساوي