د. علي العتوم

من عجائبِ الزمانِ، بل من فواجعه في هذه الأيّام، أنْ يقوم بعضُ العرب المسؤولين بالدعوةِ إلى هَجْرِ الإسلامِ: تشريعاً واعتقاداً فاعلاً في الحياةِ، بما يُسمّى العِلمانية أو العالَمانية، تساوقاً مع التفكير الغربي: إعجاباً بعظمته وعملاً بأساليبه ومناهجه، وتوقيراً لأصحابه وحضارتهم المادية. 
وأينَ تنجم هذه الدعوةُ المَرِيبة، ومن أينَ يُسمَعُ فحِيحُها، ومَنْ يُعالِنُ بها ويُجاهر في وقت نحن فيه أشدُّ ما نكونُ حاجةً إلى التزام فكرنا، واحترام عاداتنا وتقاليدنا المنطلقة من ذلك الفكر السامي لنكون حَقّاً أمَّةً خَيِّرَةً كريمةً، لها شأنُها في هذا العالم الذي لا يحترم إلاّ مَنْ يسعى لأنْ يكونَ حُرّاً أبيَّاً، لا تابعاً ذليلاً أو ذَنَباً خسيساً؟!
إنها تنجُمُ – واأسفاه - من البلاد التي شَعَّ فيها نورُ الإسلامِ قبلَ غيرها من بلاد العالم . إنها الجزيرة العربية التي انساحت فيها جيوشُ هذا الدين العظيم: دُعاةَ بِرٍّ ومعروفٍ وعساكِرَ ذَبٍّ عن هذا الدين وحراسة عقيدته، وذلك لمحاربة العصبية القبلية المقيتة، ومحقِ الوَثنية السخيفة، ومطاردة النزاعات البينيّة القاتلة، لينطلق أهلُ الجزيرة من ثَمَّ لنشر النور في العالم كُلِّه، وتخليصه من كُلِّ خزعبلاته وترّهاته.
نعم، لقد جاءت على لسان أحد أبناء هذه الجزيرة، ونادى بها في بلاد الغرب بوصفه موفَدَ بلاده الرسميِّ إليها، وجرَّ إليه في هذه الدعوة الأثيمة – موكَّلاً بذلك أو غيرَ موكَّلٍ – دولاً عربية أخرى، زَعَمَ أنها تُطالب بمثل ما يطالب به، وهي الدول التي تَشْغَلُ بلادَ الحرمين، والكِنانة، وبعض البلاد التي قُمِعَتْ فيها الرِّدَّةِ الأولى زمان الصدِّيق!! كل ذلك في ظلال موقف هذه الدول المتشنِّج من سياسة إمارة قطر الداعمة – حسبَ ما يَرَوْنَ – للإرهاب والتطرُّف!!
وما هو الإرهاب الذي يرمون به ذلك البلد الذي ترتبط معه دول الجزيرة عينُها بحلف سياسي منذ ما يقرب من أربعين حولاً، وتشترك جميعاً في بيئة واحدة وأواصِرَ رحميةٍ واحدة وعقيدة واحدة، ومن ثَمَّ يتَّخذ منه ذلك المُوفَد في الغرب ذريعةً للدعوة للعلمانية ؟! إن هذا الإرهاب الذي ترمي به تلك الدول المتحالفة ضدَّ قطر، هو مساعدتُها للمنكوبين من أهل فلسطين، ودعمُها لمقاومتهم للاحتلال الصهيوني، والتعاطف مع أبناء الحركة الإسلامية الذين شرّدتهم بلادهم تحت حكم الطواغيت.
وإنّني لأتساءَلُ: إذا كان الإرهاب عند هذه الدول – الذي اتّخذ منه ذلك الرسميُّ سبباً لدعوته للعلمانية، هي إلغاءُ حكم الدين من واقع الحياة – يعني دعمَ المقاومة وإيواءَ نفرٍ من أبناء الدعوة الإسلامية، فماذا يبقى لهذه الدول الخمس أو غيرها من مسوِّغٍ لتسمِّيَ نفسها دولاً أو أقطاراً عربية، وأنها تحترِمُ الإسلام وتكتب في أولى موادِّ دساتيرها: دين الدولة الرسمي الإسلام، وفي بعضها أنّ الإسلام المصدر الأوّلَ أو الرئيس في تشريعاتها؟!
أجل، لماذا لا تسمّي هذه الدول - التي تتنَكَّر لمقاومة الصهاينة وللدعاة المطالبين بتحكيم شرع الله في الأرض، والمنادين بالتحرُّر من ربقة الاحتلال الأجنبي شرقيّاً كان أم غربيّاً - نفسها بأسماء أخرى كالدولة الأمريكية أو الأوروبية، بل حتّى الدولة الصهيونية؟! ومن ثَمَّ ترتاح وتريح، أمْ أن ادّعاء الإسلام والعروبة ذَرٌّ للرماد في العيون؟!
وبالتالي فإنَّ مثل هذه الدعوة يُرادُ بها لنا الهلاكُ وذهابُ الرِّيح، بل يُراد منها أنْ نُحيي دعوات مسيلمة الكذّاب والأسود العنسي والحُطَم وسجاح وطُلَيْحة الأسديّ (قبل عودتهما للإسلامِ)، مع أنَّ هؤلاء المرتدين القُدامى كانوا لا يتنكَّرونَ لكثير من مبادئ الإسلام، بل يشغبون على دولته ويطالبون بالاشتراك مع الرسول في الرسالة، ولكنّها العقلية القبليّة والعصبيةُ الأعرابية المتفلِّتة من النظام!!
وإنّي لأقول لهذه الدول التي تُناكف إحدى شقيقاتها وتحاصرها - لإنفاقها بعض ما أفاءَ الله عليها من مالٍ وثَراء على إخوانهم في الله مِمَّنْ يسومهم أعداءُ اللهِ الصهاينة سوءَ العذابِ هم ليقِفوا في وجه مَنْ يُريد بأرض الإسراء والمعراج والمسجد الأقصى خاصّةً، شرّاً وإيوائها بعضَ المطَرَّدِين من دعاة الإسلام ظُلْماً وعُدواناً - : إنَّ مَنْ لا يدعمُ مَنْ يُدافِعُ عن الأقصى، إنما هو كمن لا يدعمُ الحَرَمين إذا اعتدى عليهما مُعْتَدٍ، فالاعتداء على الأقصى اعتداءٌ على المسجدين الحرام والنبويّ، تماماً بتمام.
ثم إنّي أقول لهم ولغيرهم من الذينَ يهاجمون أتباع الحركة الإسلامية الأطهار في كل بلاد العروبة والإسلام: أينَ أنتم أيُّها الحكّام المسلمون، وللإسلامِ الفضل الأول والأخير عليكم في عروشكم وملككم وأموالكم، نعم أينَ أنتم وأنتم المسلمونَ من موقف النجاشيّ الذي لجأ إليه الصحابة من ظلم قريش المشركة، فحماهم أحسنَ حمايةٍ ودافع عنهم أكرمَ دِفاعٍ؟! فأينَ تقوى الله وشُكره على نعمائه عليكم، أم أنه فيكم الزيف الذي كشفتْه الأيام، والمداجاة التي عرَّتها الأحداث؟! 
وأقول أخيراً: أيها الداعون بالعلمانية والمناهضون للمقاومة والدعوة الإسلامية: اربعوا على أنفسكم، فالإسلام ُ نورُ الله لا يوقفه عَدْلُ عادلٍ ولا جَوْرُ جائِرٍ، وهو مُبشَّرٌ وأتباعُه معه أنْ يسود العالم كله، وصدق الله العظيم : <هو الذي أرْسَلَ رسولَهُ بالهُدَى ودِينِ الحَقِّ ليُظْهِرَهُ على الدينِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ المُشرِكونَ> فوفِّروا عليكم جهودكم التي ستذهب، هي ومؤامرات سادتكم سُدَىً . فكفّوا عن هذه السياسات المأفونة، فسهمُ الإسلامِ قد انطلقَ من الجزيرة ليطهِّرها ويُطهِّرَ غيرها، ولن يرتدَّ إلى الوراء.
وأتساءل أخيراً: من أعطى هذا الناعب بالعلمانية في دول الغرب، الحقَّ بأن يتكلّم باسم الإسلام وباسم هذه الدول وشعوبها الكريمة التي أنّى اشتدَّتِ الأزمات وقَسَتِ القبضة الحديدية عليها لنْ تقبل بغيرِ الإسلامِ ديناً، وبغيرِ حُكم الشرعِ حُكماً، وإنّني لاطمئنه أنّ الله سبحانه وتعالى تكفَّلَ بنصرة جُنده ودعاته الذين يُمسِّكون بكتاب الله دُنيا وأخرى، إذ قالَ سبحانه: <إنّا لننصر رُسلَنا والذينَ آمنوا في الحياةِ الدنيا، ويومَ يقومُ الأشهاد، يومَ لا ينفع الظالمين معذرتُهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدّارِ>.}