خليل العناني

تشن السلطويات العربية، منذ أربعة أعوام، حرباً ضروساً على الحركة الإسلامية وتياراتها، بمختلف أطيافها، خصوصاً المعتدلة منها، مثل جماعة الإخوان المسلمين ومثيلاتها. وهي حرب استخدمت فيها كل الأسلحة القمعية والإعلامية والبحثية والاقتصادية، من أجل استئصال شأفة هذه التيارات، والتخلص منها. وهي حربٌ كانت أشبه بانتقام سياسي من الانتفاضات والثورات العربية التي انطلقت قبل سبعة أعوام من أجل إسقاط أنظمة الفساد والاستبداد في عدد من الأقطار، التي لعبت دوراً في وصول بعض التيارات الإسلامية إلى السلطة.
فعلى مدار السنوات الماضية، تم حشد الأموال والقنوات والأصوات وطالبي الشهرة من أجل شيطنة الإسلام السياسي وتشويهه، باعتباره الخطر الذي يهدّد الأمة، والذي يجب القضاء عليه بأي ثمن. وقامت عدة دول بإنشاء (وتمويل) مراكز أبحاث في الشرق والغرب، ليس لها وظيفة سوى الهجوم على أي تيارٍ يحمل مرجعية إسلامية، فيما تدّعي أنها تمثل الإسلام الوسطي المعتدل دون سواها، وذلك على نحو ما قاله قبل فترة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وعلى نحو ما يردّد دوماً الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر.
كان بإمكان هذه السلطويات أن توفر أموالها الطائلة، وأن تترك الشعوب تتولى محاسبة الإسلاميين على أداء تياراتهم في السلطة. وكان أجدر بها أن تضع أموالها في تقوية المجتمعات العربية تعليمياً وثقافياً من أجل رفع مستوى الوعي السياسي الذي من شأنه منافسة قوى الإسلام السياسي فعلياً على المدى الطويل. وكان من الأفضل لها أن تستثمر أموالها في تنمية قدرات الشباب العربي، العاطل عن العمل، من أجل إبعاده عن الالتحاق بالجماعات الراديكالية المتطرّفة. 
لا يدرك هؤلاء أن الإسلام السياسي ليس مجرد تيار سياسي، بل هو أيضاً تيار شعبي ذو قواعد تنظيمية قوية، ليس اقتلاعها سهلاً، ولا يمكن بسهولة هزيمته من خلال القمع. أما العجيب فهو أن بلدانا كثيرة جرّبت قمع الإسلاميين، وفشلت في اقتلاعهم، أو التخلص منهم كما فعل جمال عبد الناصر وحافظ الأسد وحسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي. وأثبتت التجربة التاريخية أيضاً أن الإسلاميين يعودون أكثر قوة في كل مرّة يتعرضون فيها للقمع والتنكيل.
هذه السلطويات، لا تقرأ التاريخ، ولا تفهم دروسه، بل وتصرّ على اجترار تجاربه كما هي، دون تعلّم أو فائدة سوى تبديد أموالها وثرواتها، وتوسيع رقعة الاحتراب والانقسام الأهلي في أكثر من بلد عربي، كما هي الحال في سورية واليمن وليبيا ومصر، فيما يغيب عنهم أن الإسلاميين المعتدلين هم من أكثر التيارات السياسية براغماتية، ويمكنهم الدخول في صفقاتٍ سياسيةٍ مع الأنظمة الحاكمة، وفق شروط مقبولة من الطرفين. والتاريخ المعاصر يشهد بذلك، سواء في اليمن، حيث كان حزب التجمع اليمني للإصلاح أحد الحلفاء الرئيسيين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، كما كان الإخوان المسلمون في الأردن ومصر من أكثر الجماعات براغماتية في التعاطي مع خصومهم في أنظمة الحكم، وهو ما نراه أيضا في المغرب مع حزب العدالة والتنمية الحاكم.
أما المدهش، فهو أن تنخرط السلطويات العربية في حربٍ على الحركة الإسلامية، في الوقت الذي تحضّر فيه حالها لشن حرب على إيران، وهو ما يكشف حجم الغباء السياسي والاستراتيجي لدى هذه السلطويات، ومن يفكّرون ويخططون لها. بل ويدفع كلا الطرفين (إيران والإسلاميين) للتحالف معاً ضدها، على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية والطائفية بين الطرفين، فيما تستعيض السلطويات العربية عن الإسلاميين بتحالف مع صديق جديد هو إسرائيل، متخيلين، أن في وسعهم كسب المعركتين في الوقت نفسه. ولا يدرك هؤلاء أن إسرائيل لن تتورع عن الانقلاب عليهم، وعلى مشاريعهم، حين تأتيها الفرصة لذلك. وهم جميعاً يعيشون حالاً من النشوة والسكرة، بسبب وجود دونالد ترامب رئيساً في البيت الأبيض، ويعتقدون أن بإمكانهم تغيير موازين القوى لمصلحتهم إلى الأبد، وهو أمر أقرب إلى الخيال والتفكير بالأماني.
ربما تراجعت قوى الإسلام السياسي وتياراته في السنوات القليلة الماضية، بفعل الضربات القاسية التي تعرّضت لها، ولا تزال. وربما تراجعت جاذبية شعاراتها، بسبب فشلها في السلطة، وضعف أدائها في المعارضة، لكنها قطعاً لم تمت، ولا تزال حيّة بأفكارها وقضاياها. كذلك إن تواطؤ السلطويات العربية وتفريطها في قضايا عربية كثيرة مؤثرة، كقضية فلسطين والقدس، يمنح هذه القوى والتيارات إكسيراً للحياة، ويزيد أسهمها في الشارع العربي.
لا جدوى إذاً، من الحرب على الحركة الإسلامية، فهي خاسرة ابتداءً ليس فقط كونها تكراراً لمحاولات مثيلة فشلت في تحقيق أغراضها، ولكن لأنها بالأساس تسير عكس منطق الأوضاع ومنطق التاريخ.}