الشيخ محمد حمود

نقف أمام سيدة تُعد أبرز إمرأة في تاريخنا الفكري والسياسي، بل هي علَم من كبار أعلامه وعظمائه، تركت آثاراً كبيرة لا تزال ماثلة في حياة أمتنا حتى الآن. أقول السياسي لأنه الجانب الذي تحاماه أكثر كتّاب التراجم الذين كتبوا عن السيدة عائشة (أم المؤمنين) رضي الله عنها، والذين تعرّضوا له اكتفوا بالتلميح والإشارة دون التصريح بالعبارة. كانت رضي الله عنها ذات جرأة نادرة، رابطة الجأش، ثابتة القلب والنفس، لم تزعزعها شدة المصيبة، ولم تهزّ كيانها الفتن والمشاكل. ومن مظاهر جرأتها استئذانها النبي | أن تشارك في الجهاد، فقال لها: جهادكن الحج. وكانت تشارك في أحداث عصرها السياسية بإيجابية، وكان لها رأيها الواضح الجريء المؤيد أو المعارض للخليفة، وكان ذلك مؤطراً بإطار الشرع الحنيف، ونابعاً عن المسؤولية الملقاة على كاهلها باعتبارها أمًا للمؤمنين، وعالمة من علماء الدين. لذا كانت مواقفها مبنية على العلم والمسؤولية، وليست على مجرد صيحات أو مظاهرات أو عواطف ملتهبة.
هذا بالاضافة الى نضال السيدة عائشة رضي الله عنها وجهادها من أجل إنصاف المرأة ورفع الظلم الذي كانت تعاني منه في الجاهلية. وكانت تساند موضوع تعليم المرأة المسلمة (وخاصة في مجال القانون) وتعاليم الدين ومختلف الجوانب العلمية والثقافية. وإذا أراد النساء الحياة الإنسانية والكريمة والحقوق الكاملة العادلة، فما عليهنّ إلا أن يقتفين خطوات السيدة عائشة رضي الله عنها في هذا المجال، ويقتدين بها كمثل رفيع للمرأة المسلمة.
بدأت تظهر المكانة العلمية الكبرى للسيدة عائشة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر وغيره من كبار الصحابة إذا أشكل عليهم أمر وخاصة في الشؤون الشخصية للإنسان يسألون عنه السيدة عائشة.
ثم زادت مكانة السيدة عائشة في الأمة رفعة واحتراماً وإجلالاً في عهد عثمان، وتقاطر الناس الى حجرتها من جميع أقطار الاسلام، واحتاج الناس الى علمها وفقهها، فيمّم طلاب العلم والمعرفة وجوههم قبَل حجرة السيدة عائشة التي أصبحت أعظم مدارس الاسلام الفكرية، مع المكانة العلمية التي زادت مكانتها الاجتماعية في الأمة، حتى كان الناس يأتون اليها يستشيرونها في شتى شؤونهم.
كانت رضي الله عنها تداوم على النوافل والعبادات التي كانت تؤديها وبخاصة صلاة الليل.
كانت رضي الله عنها سخيّة ومعروفة بالجود والكرم، وتؤثِر السائل على نفسها، وإذا لم تجد ما تتصدق به باعت بعض ما تملك لتتصدق بثمنه.
ومن أبرز صفاتها العلم، فقد بلغ علمها ذروة الاحاطة والنضج في كل ما اتصل بالدين من قرآن وتفسير وحديث وفقه، حيث تأتي في المرتبة الخامسة في حفظ الحديث وروايته، فلم يسبقها من الصحابة سوى أبي هريرة وابن عمر وأنس بن مالك وابن عباس رضي الله عنهم. وكانت أحد أعلام تفسير القرآن الكريم الى جانب أصحاب رسول الله.
وكانت تُعد من كبار علماء الصحابة المجتهدين، حيث لم تكتف بما عرفت من أحوال النبي عليه الصلاة والسلام، بل اجتهدت في استنباط الأحكام للوقائع الجديدة التي لم تجد لها حكماً صريحاً في الكتاب والسنة.
تخرّج من مدرسة السيدة عائشة سادة علماء التابعين، الذين دخلوا الحجرة الشريفة وجلسوا أمام الحجاب يستمعون الى المعلّمة الكبرى وهي تلقي عليهم من وراء الحجاب درر السنّة النبوية وكنوزها.
ما من أحد سمع السيدة عائشة أو قرأ كلامها إلا وبهَرته فصاحتها، وسحرته بلاغتها، وأدهشته عارضتها. 
كانت توصي تلاميذها بالعناية بالقرآن الكريم والإقبال عليه تلاوة ودراسة وحفظاً، وبتعليم الأولاد الشعر وتقول: روّوا أولادكم الشعر تعذَب ألسنتهم.
إن حياة السيدة عائشة بحق صورة صادقة لحياة المرأة المسلمة، وتطبيق عملي لمكانتها في الكتاب والسنّة، وبيان لهوية المرأة الحقيقية. 
الحديث عن السيدة عائشة طويل، واستقصاء مواقفها وكلماتها وخطبها وآرائها يحتاج الى مجلّد كبير، وحسبي – عزيز القارئ – في هذه السطور أن أحيلك الى البحث والقراءة والتعمّق في سيرة أمّنا رضي الله عنها.