العدد 1452 /10-3-2021

الشيخ محمد أحمد حمود

أكثر ما يحتاجه المسلمون اليوم بحسب مفكّري ومنظّري العالم الإسلامي هو القيادة والمظلّة التي تظلل وتقود المسلمين الى برّ الأمان، حتى يتحسّن حال الشعوب الاسلامية ومواطنيها اقتصادياً و اجتماعياً و حياتياً وعلى كل الصعُد. وإن أقوى ما يعيق تقدّم العالم الإسلامي هو استعمار الدول الكبرى عن طريق أدواتها من انظمة حاكمة تتقصد قتل وسرقة خيرات وقدرات وكفاءات الشعوب. وبالتالي فلا قيادة صادقة مع شعوبها تقودها الى بر الأمان وتتفوق على أعاديها وخصومها من الخارج.

أقول هذا وأنا أقرأ سيرة الرسول الكريم وأتأمل في قيادته واستراتيجياته السياسية للحفاظ على سلامة أمن شعبه وناسه، فكان عليه الصلاة والسلام مبادراً مقداماً لا يتقوقع في المربع الذي يحدده له خصومه كما هو حال قيادات المسلمين اليوم، حتى لو تغنّوا ببعض الانجازات الوهمية لتعمية الشعوب عن سرقاتهم وفسادهم وديكتاتورياتهم.

كان عليه الصلاة والسلام يفاجئ الجميع بخطواته، ويفكر خارج المربع فيربك المشهد ويضع أعداءه في رد فعل، فمثلاً عندما سدّت الآفاق بوجهه من قريش توجّه نحو المدينة الثانية الأبرز في الحجاز بعد مكة وزار الطائف بحثاً عن افاق جيدة، وعندما سدّت مسارات التفاوض مع زعماء ثقيف استعاد زمام المبادرة ليدخل الى مكة تحت جوار المطعم بن عدي ويستأنف البحث عن حلفاء جدد حتى وصل الى العقبة الاولى والثانية وتفاوض مع أهل المدينة وصولاً الى الهجرة والاستقرار في العاصمة الجديدة.

ثم لم يلبث كثيراً حتى أخذ زمام المبادرة في اعتراض قوافل قريش مما تسبب لهم بالارتباك والفزع من انهيار طرق التجارة التي تربطهم بالعالم. وكذلك عندما ارادت قريش أن تستأصل المسلمين في "الخندق" وحشدت أكبر جيش حينها بتحالف مع الأعراب واليهود، فاجأهم بالخندق فأربك خططهم، ولم يترك لهم مجالاً للهجوم. ثم كانت مبادرته السياسية في الحديبية فاستطاع من خلالها أن يقلب قواعد اللعبة السياسية حيث استطاع أن يرغم قريش عبر هذا الصلح ان تعترف بالكيان الاسلامي. ثم بدأ بالتواصل مع القوى الكبرى من خلال ارسال سفرائه الى ملوكهم.

هكذا كان عليه الصلاة والسلام مبادراً مقداماً لا يتقوقع في المربع الذي يحدده له اعداؤه وخصومه في كل مسيرته الدعوية والسياسية والعسكرية. والأمثلة على ذلك أكثر من ان تعد وتحصى في مقال قصير.