العدد 1374 / 21-8-2019

يوافق يوم الأربعاء 21/8 الذكرى الخمسون لحريق المسجد الأقصى بالقدس، ففي مثل هذا اليوم من عام 1969م قام الإرهابي اليهودي الأسترالي (دينيس مايكل) وبدعم من العصابات الصهيونية المغتصبة للقدس بإحراق المسجد الأقصى المبارك , في جريمة تعتبر من أكثر الجرائم إيلاما بحق الأمة وبحق مقدساتها.

المجرم الأسترالي (دينيس مايكل) قام بإشعال النيران في المسجد الأقصى، فأتت ألسنة اللهب المتصاعدة على أثاث المسجد المبارك وجدرانه ومنبر صلاح الدين الأيوبي، ذلك المنبر التاريخي الذي أعده القائد صلاح الدين لإلقاء خطبه من فوقه بعد انتصاره وتحريره لبيت المقدس، كما أتت النيران الملتهبة في ذلك الوقت على مسجد عمر بن الخطاب، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، وثلاثة أروقة ممتدة من الجنوب شمالًا داخل المسجد الأقصى.

وبلغت المساحة المحترقة من المسجد الأقصى أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث احترق ما يزيد عن الف وخمسمائة متر مربع من المساحة الأصلية البالغة 4400 متر مربع، وأحدثت النيران ضررًا كبيرًا في بناء المسجد وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق، وسقط عمودان رئيسان مع القوس الحامل للقبة، كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية، وتحطم 48 شباكًا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية. وقد كانت جريمة إحراق المسجد الأقصى خطوة يهودية فعلية في طريق محاولة بناء الهيكل اليهودي المزعوم مكان المسجد الأقصى، وكانت الكارثة الحقيقية والصدمة التي أعقبت هذا الاعتداء الآثم أن قامت محاكم الكيان الصهيوني بتبرئة ساحة المجرم الأسترالي بحجة أنه (مجنون)!! ثم أطلقت سراحه دون أن ينال أي عقوبة أو حتى إدانة!!

وعلى الرغم من أن الدلائل وآثار الحريق كانت تشير إلى تورط مجموعة كاملة في الجريمة، وأن هناك شركاء آخرين مع اليهودي المذكور، إلا إن قوات الإمن الصهيونية لم تجر تحقيقًا في الحادث، ولم تحمل احدًا مسؤولية ما حدث، وأغلقت ملف القضية بعد أن اكتفت باعتبار الفاعل مجنونًا!!

ولم يكتف اليهود بإحراق المسجد الأقصى قبل خمسين عامًا، كما لم تكن جريمة الإحراق حدثًا عابرًا، بل كانت خطوة على طريق طويل يسيرون فيه.

وللاسف تمر هذه الذكرى مرور الكرام على الكثير من وسائل الإعلام، فمنهم من يتجاوزها، ومنهم من يذكرها على استحياء، ومنهم من يتعامل معها كعنصر تاريخي وإعلام وثائقي وقليل من يتعامل معها كواقع وظلم واعتداء على دور عبادة حرمتها الأديان، وقد آن الأوان لإبراز هذه المناسبة عالميًا بمعارض ومتاحف وإصدارات إعلامية ليعرف العالم حقيقة ذلك الوجود المصطنع (إسرائيل) وظلمه وجوره.

محاولات حرق وتفجير المسجد الأقصى

مع سقوط الجزء الشرقي من مدينة القدس، حيث تقع البلدة القديمة والمسجد الأقصى، بيد الاحتلال الصهيوني عام 1967م، بدأ سعيهم الحثيث لهدم المسجد الأقصى المبارك وصار في دائرة الاستهداف الصهيوني بشكل مباشر عبر سلسلة من الاعتداءات المتكررة التي تهدف إلى هدمه تمهيدا لبناء هيكلهم المزعوم مكانه. وهي فكرة مترسخة في عقولهم وحاضرة بقوة في خطابهم وسلوكهم، لا فرق بينهم فيها بين العلماني أو المسؤول الحكومي أو أولئك المتدينين المتطرفين، ومن أخطر تلك الاعتداءات؛ الحفريات تحته، ومخططات التقسيم الزماني والمكاني واقتحاماته المتكررة، التي تتم بسياسة النفس الطويل لتحقيق وجود يهودي دائم ومباشر في الأقصى،

وتأتي محاولات الحرق والتفجير ضمن التهديدات المباشرة الرامية لهدم الأقصى وتخريبه، والتي كان أخطرها "جريمة إحراق المسجد الأقصى في 21 آب 1969م"، إلا أنها لم تكن أول أو آخر ما تعرض له الأقصى من محاولات الحرق أو التفجير:

وأول الاعتداءات على الأقصى بدأ قبل الاحتلال، وبالتحديد في السادس عشر من حزيران عام 1948، عندما قصفت المجموعات الصهيونية المسجد وساحاته بخمس وخمسين قنبلة، ومن المعروف أن اليهود يهتمون جدا بالتواريخ التي لها ذكرى معينة لديهم وتاريخ 21/8 يعني شيئا مهما في التاريخ اليهودي وهو تاريخ تدمير الهيكل، ولهذا أرادوا أن يكون نفس التاريخ هو تاريخ حريق المسجد الأقصى المبارك.

يوم 6 حزيران 1967... قصف الصهاينة مدينة القدس والمسجد الأقصى بقذائف المورتر مما أدى إلى إصابة قباب الأقصى ومختلف أبنيته، وقد أصيب أكثر من عشرين موضعا في المسجد الأقصى، كما أدى القصف إلى تدمير مئذنة باب الأسباط.

وفي 11 يونيو 1967... بعد احتلال الأقصى بأيام، هدم الاحتلال حارة المغاربة بأكملها وما فيها من بيوت ومنازل ومدارس ومساجد، وهي ملاصقة للأقصى من الجهة الغربية، وكان ذلك تمهيد للسيطرة على الحائط الغربي من المسجد الأقصى "حائط البراق" ولعمل ساحة للمصلين اليهود على أنقاض بيوت المقدسيين، وبذلك تمت لهم السيطرة على جزء من المسجد الأقصى بالتدمير.

في عام 1968... انطلقت دعوة صهيونية لجمع مائة مليون دولار من أمريكا؛ لبناء ما يسمى معبد سليمان بجوار قبة الصخرة المشرفة، حتى شهد العام التالي استفزازا كبيرا للعرب والمسلمين، حيث دعا الحاخام الأكبر، اليهود لزيارة حائط البراق؛ لإقامة طقوس ما يسمونه ذكرى خراب المعبد، التي توافق التاسع من آب (أغسطس) من كل عام.

وفي يوم إحراق المسجد قطع الإسرائيليون في بلدية القدس الماء عن المسجد الأقصى المبارك لكي لا يستعمله المواطنون في إطفاء الحريق، كما أن سيارات الإطفاء الإسرائيلية من بلدية القدس حضرت متأخرة بعد أن أطفأ الأهالي المقدسيون جميع النيران، ولم تفعل شيئا، بل جاءت لكي تصورها وكالات التلفزيون والصحافة العالمية لإيهامهم أنها أدت واجبها. وقد ساعد في إطفاء النار سيارات الإطفاء العربية التي وصلت من الخليل ورام الله.