بقلم: الشيخ راشد الغنوشي

اعتاد خبراء غربيون متابعون لمسيرة الحركة الإسلامية كلما تعرض إسلاميون هنا أو هناك لنكسة أو حتى لمجرد تراجع في انتخابات! ولو كان طفيفاً، أن يؤذنوا في العالمين بأعلى مكبرات الصوت! معلنين فشل وانهيار ونهاية الإسلام السياسي! وذلك ما يتردد في ندواتهم وأحاديثهم لوسائل الإعلام التي تستنطقهم باعتبارهم خبراء ينطقون بالحكم وفصل المقال!
ولقد مثل الحدث المصري في الأشهر الأخيرة، مادة غزيرة لتلك البحوث والندوات والتأكيدات، فازدهرت هذه السوق وراجت بضاعتها!
 فما مصداق هذه الدعاوى؟!
 هل ما يسمى الإسلام السياسي بصدد التراجع الكبير والمتفاقم في اتجاه الفشل النهائي والانهيار المؤكد؟! أم أن الأمر لا يعدو انعطافات إلى الخلف - هنا أو هناك، تحفزاً لانطلاق جديد في منحنى صاعد في الوجهة العامة! بما يرجح أنه - حتى نقاط التراجع - لن تلبث أن تلتحق بالخط البياني العام المتجه إلى الصعود!
إن الحركة الإسلامية (المصطلح المفضل لدى الإسلاميين) بديلاً لما يسمى الإسلام السياسي! ونعني بها جملة المناشط التي تدعو إلى الإسلام، باعتباره كلمة الله الأخيرة إلى الناس، ومنهاجاً شاملاً للحياة، وخطاباً للعالمين!
 ▪ هذا الإسلام، تؤكد كل الدراسات الإحصائية أنه اليوم أكثر الديانات والمناهج الحياتية الأيديولوجية سرعة وانتشاراً، وتمدداً، واستقطاباً للعقول والإرادات!
▪ وأن معتنقيه الأكثر استعداداً للتضحية بكل غال ونفيس من أجله، وغيرة عليه والتزاماً به!
▪ إن ما يسمى الإسلام السياسي (الحركة الإسلامية)! يتحرك فوق بساط ديني هو الأوسع اليوم في العالم، ومكّنته تقنيات الاتصال المعاصر من بلوغ سرعات تمدد غير مسبوقة في التاريخ!
 لا سيما وهو لا يكاد يجد في طريقه مقاومة تذكر!
بالنظر إلى حالة الخواء العقائدي، والقلق الوجودي، وانهيار المحاضن الدافئة من حول الإنسان في الحضارة المعاصر، كالأسرة والعشيرة!
▪ إن ما يسمى الإسلام السياسي (الحركة الإسلامية)! يتحرك فوق بساط ديني هو الأوسع اليوم في العالم، ومكّنته تقنيات الاتصال المعاصر من بلوغ سرعات تمدد غير مسبوقة في التاريخ! لا سيما وهو لا يكاد يجد في طريقه مقاومة تذكر! بالنظر إلى حالة الخواء العقائدي، والقلق الوجودي، وانهيار المحاضن الدافئة حول الإنسان في الحضارة المعاصر، كالأسرة والعشيرة!
يحدث هذا في زمن تفاقمَ فيه اتجاه الحكومات إلى الاستقالة المتسارعة من واجبات الرعاية، بما نمى حالات القلق والعزلة وفقدان الأنيس! كأثر من آثار العلمنة المتسارعة، ودفع الأفراد إلى البحث عن محاضن دافئة، ومنظومات تلتقي فيها:
  مطالب الجسد والروح!
  الفرد والجماعة!
  الدين والدنيا!
  الوطنية والأممية!
 وهذا ما يجده الباحث عن ضالته جميعاً في الإسلام! منظوراً إليه في أصوله الجامعة ووسطيته المعروفة!
 وذلك ما يفسر إقبال نخب متفوقة من كل الملل والثقافات على اعتناقه، رغم حرب الكراهية والشيطنة التي تشن عليه وعلى حركاته وأقلياته!
إن الحركة الإسلامية في خطها العريض -ودعك من الهوامش المتشددة التي لا تخلو منها أيديولوجيا وأمة- قدمت الإسلام متمماً لمنجزات ومكارم الحضارات، وليس باعتباره نقيضاً من كل وجه لمنجزات التحديث! كالتعليم للجميع ذكوراً وإناثاً! ولقيم العدالة والمساواة حقوقاً وحريات، دون تمييز على أساس الاعتقاد والجنس واللون، وبما يكفل للجميع حقوق المواطنة والإنسانية، والحريات الدينية والسياسية، كما هو متعارف عليه في الديمقراطيات المعاصرة.. باعتبار المساواة في الحقوق والحريات تفريعاً لازماً من أصل التكريم الإلهي لبني آدم: >ولقد كرمنا بني آدم< الإسراء/70 إن الحركة الإسلامية، وهي تنطلق من مرجعية الإسلام دين الفطرة، بحثاً عن حلول لمشكلات مجتمعاتها، والإسهام في حل مشكلات الإنسانية مستفيدة من كل خبرات حضارية تتوافق مع قيم الإسلام ومقاصده؛ في تحقيق مصالح الناس، هي الأقرب إلى ضمير شعوبنا! تخاطبها بمألوف قيمها ومفاهيمها ولغتها، لا يمكن منافستها - شعبياً، إذا فقه الدعاة مشكلات الناس، وصاغوها وفق البنية الذهنية والعقيدية لهم!
إن الحركات الإسلامية تعرضت خلال أزيد من نصف قرن لمسلسل من القمع، لا يكاد يهدأ قليلاً حتى يستعر أواره أشد مما كان!
 لقد أورث القمع المتتالي نتائج كثيرة منها:
 أنه رسخ لدى الإسلاميين إرثاً نضالياً توارثوه يشد بعضهم إلى بعض!
وتاريخاً مشتركاً نشأت عليه ثلاثة أجيال على الأقل!
كما أثمر القمع الوحشي لهم تعاطفاً شعبياً مع مظلوميتهم، شكل رصيداً إضافياً لمكاسب، مما لا يتوفر مثله لأي منافس سياسي آخر!
 فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم!
 والشعوب تحفظ للمناضلين قدرهم!
  إن الإسلاميين اليوم أكثر من أي وقت مضى، يقفون على أنبل وأصلب موقع!
فهم إلى موقع القرب العقدي والمفاهيمي الثقافي من الناس! هم يقفون - كما في مصر - يحملون أنبل الشعارات! مثل الدفاع عن إرادة الشعب والاحتكام لصناديق الاقتراع!
 ويقودون ثورة سلمية رائعة!
 تدافع عن قيم الثورة: حرية الإعلام التي حافظ عليها حكمهم وأهدرها الانقلاب!
 كما هم يدافعون عن التعددية السياسية وعن قضايا الأمة الكبرى! كقضية فلسطين!
بينما في المقابل: تقف الليبرالية المصرية العريقة - بما فيها حزب الوفد - على أرضية الثورة المضادة! مستنصرين بانقلاب عسكري مدافعين عنه!  ودباباته تدوس صناديق الاقتراع! وتطحن بها إرادة الشعب وحتى أجساده! وتضع يدها على وسائل الإعلام! تكمم أصواتها! وتفتح السجون على مصراعيها! وتضرب الجماهير العزل بالملايين! أما قضية الأمة الكبرى - قضية فلسطين - فقد غدت تهمة كبرى!!! ألم توجه إلى الرئيس المنتخب تهمة التخابر مع حماس تبريراً لعزله! وهو الرئيس الأول المنتخب!!! وتزلفاً إلى الكيان الصهيوني!
أو ليس ما تتورّط فيه نخبة «الحداثة» المصرية وشبيهاتها العربيات التي صفقت للانقلاب نوعاً من الانتحار الجماعي؟!
وذلك مقابل الوقفة المشرفة للحركة الإسلامية في وجه الطغيان، بصدور عارية إلا من الإيمان!
هل يمكن - من وجهة نظر تاريخية واستراتيجية وقومية - اعتبار الوقوف مع الانقلاب الوحشي انتصاراً ليبرالياً وتقدمياً أوقومياً أوعلمانياً!}
(للبحث صلة)