وائل قنديل

ما جرى في أكاديمية الشرطة في القاهرة، لم يكن إعادة لمحاكمة حسني مبارك، بل هي محاكمة علنية لثورة يناير 2011، صال فيها محامي مبارك وجال، مطالباً بأقصى العقوبة ضد الثورة وشهدائها، وكل من شارك فيها.
هي لحظة الحصاد والانقضاض على ما تبقى من «فلول الثورة»، ذهب إليها مبارك ومحاموه وأتباعه واثقين من الفوز، ولم لا ولديهم كل هذا الدعم والمدد من الجنرال الصغير، وريث مبارك، ومن قضاء مبارك، وقبل ذلك وهو الأهم، من كيان صهيوني، يقوم الآن مقام المرجعية الروحية والسياسية للنظام الحاكم في مصر!
دعونا نذكّر بأجواء أولى جلسات محاكمة مبارك، في الأسبوع الأول من آب 2011، بعد سبعة أشهر كاملة ، عبث فيها المجلس العسكري بالثورة، وبقضية الشهداء، واضطلع المشير طنطاوي بدور المدافع عن مبارك، في شهادته المشفرة التي ناقضت تصريحاته المعلنة.
في افتتاح المحاكمة الأولى سجلت هذه التصريحات:
بنيامين بن أليعازر وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قتل الأسرى المصريين عام 1967: إنه يوم حزين.
رئيس جهاز الأمن الداخلى الإسرائيلى آفى ديختر: أرفض إهانة مبارك، وتورط أميركا فى إهانته بوضعه داخل القفص.
عضو الكنيست إسرائيل حسون: حزين حزناً شديداً لرؤية مبارك في هذا الشكل المهين، وأتمنى له البراءة.
الآن كل هؤلاء مع عبد الفتاح السيسي، يداً بيد، وكتفاً بكتف، فلماذا لا ينتعش محامي مبارك، ويحصل على براءته، وإدانة الثورة، باعتبارها فعلاً من صنع الإخوان وحماس وحزب الله؟!
اليوم يعلن مبارك انتصاره، وتخرج المومياء المتوحشة لسانها للجميع، وتضحك باتساع شدقيها، كما فعلت في لحظة مثل هذه منتصف نيسان 2013 مع صدور حكم البراءة الأول، وقلت وقتها: لماذا لا تنفرج أسارير المومياء فى توحش، وتنشب ابتساماتها في صدور أهالي الشهداء، وهي تجد رموز معسكر الثورة تغازل بقايا دولة الفساد والقهر، وتغدق عليهم بالألقاب وشهادات الصلاحية الثورية، وتفتح لهم الميادين والشاشات، ليدوسوا الدماء، ويبصقوا كلاماً وضيعاً فى وجه أرواح أزهقت من أجل «مصر حرة»؟
كانت تلك لحظة حصاد أربعة أشهر من مرحلة التطبيع الكامل بين الفلول والثوار، عبرت عنها كلمات حمدين صباحي في حوار تليفزيوني، قال فيه إن من كانوا ضد الثورة انضموا إلى صفوف القوى الثورية، لمجرد أنهم ضد «الإخوان»، وكأن كراهية «الإخوان» كفارة لما قبلها من تلوثٍ بدماء الشهداء وفساد.
ساعتها قلت: «لو سلمنا بمنطق أن من أعلن عداءه وكراهيته للإخوان فهو ثوري وآمن، فالأحرى أن نذهب جميعاً إلى مبارك معتذرين، ونقبل يديه لكي يحمل الراية الثورية، ويقود النضال، ونهتف خلفه «الشعب يريد إسقاط النظام».
الآن لحظة الحقيقة: جثة الثورة ممدّدة على طاولة التشريح، بجسدها طعنة من كل طرف من أطرافها، الجميع خانوها، منذ المشهد الأول في محاكمة مبارك عام 2011، حين تركنا قضية الشهداء والجرحى، وذهبنا إلى ملاعب السياسة، يلهو بنا المجلس العسكري كيفما شاء، وكانت الجلسة الأولى تجسيداً لحالة الصراع العبثي بين شركاء الميدان. ويومها سجلت أن فى وقائع الجلسة بعضاً من ملامح العشوائية، وعدم التنسيق بين السادة المحامين الذين يدافعون عن أسر الشهداء والمصابين.
وقلت أيضاً: «ولعلك لاحظت أمس غياب الأسماء الكبيرة من نجوم المحاماة من مختلف القوى الوطنية، فيما احتشد جهابذة المحامين دفاعاً عن المتهمين، ما يجعل من الضرورة بمكان أن يتداعى أساتذتنا من رموز القضاء المتقاعدين، وأساتذة القانون الثقات والمحامين الكبار لتشكيل هيئة وطنية، تتولى تنظيم عملية الدفاع عن حقوق مصر في محاكمة العصر».
تقول ذاكرة أيام الثورة إنه وسط غبار مذبحة «محمد محمود» الأولى، ألقى المجلس العسكري وحكومة عصام شرف بطوق النجاة لمبارك، وأركان عصابته، للإفلات من جريمة قتل ثوار يناير، إذ حمل البيان الرسمي الصادر بشأن المذبحة إشادةً بأداء الداخلية، وتبريراً للجريمة التي أسفرت عن سقوط نحو أربعين  شهيداً بين عشيةٍ وضحاها.
ووقتها التقط محامو مبارك البيان الذي يبرّر المجازر التي ارتكبت ضد المشاركين في الموجة الثانية من الثورة، ووجدوا فيه ضالتهم القانونية لتبرئة المخلوع وعصابته من المسؤولية عن قتل ثوار الموجة الأولى.
مبروك لمبارك.. ومبارك لإسرائيل.