العدد 1379 / 25-9-2019

ما لم يحدث انقلاب في تونس، وهذا مستبعد، تفيد المعطيات بأن المنافسة بين المرشحين في الدور الثاني لانتخابات الرئاسة، قيس سعيد ونبيل القروي، ستحسم لصالح الأول. ماذا يعني ذلك؟

أولا، انحياز الشباب التونسي لخط الثورة، وانهيار معسكر الثورة المضادة الذي لم يحصل مرشحوه، من قبيل عبير موسى ومحسن مرزوق (رجل الإمارات) على أرقام تُذكر، وهذا أيضا حال اليسار الإقصائي المتطرّف بزعامة حمّة الهمامي.

لا يمثل قيس سعيد الدولة العميقة، ولا الأحزاب العريقة. ثوري مستقل، وأكاديمي متخصص بالقانون الدستوري. له مواقف حاسمة، وربما أكثر وضوحا من حركة النهضة في القطيعة مع نظام بن علي، والوفاء لشهداء الثورة، والصراع العربي الإسرائيلي. الرجل من خارج المؤسسة فعلاً، ولا يُعرف شيء عن فريقه، غير أنهم شباب جامعيون ثوريون، وعمليا كان اتحاد الطلبة ماكنته الانتخابية. واللافت في تاريخه ما قيل عن خلفية، ولو بعيدة، تروتسكية أناركية رافضة للدولة، وهو ما ينسجم مع مواقفه الراهنة.

‏قاد الرجل حملته الانتخابية بنفسه، لا يملك صفحة فيسبوك أو حسابا في "تويتر" أو في أي من منصات التواصل الأخرى. قام أنصاره بحملة تدعمه على صفحات التواصل الاجتماعي، لم يظهر على الشاشات إلا نادرا، ولم يقم بأي إعلانات ترويجية لنفسه. من تصريحاته "لن أتحالف مع أي حزب، وعلى الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، رفع يدها عن ثرواتنا الطبيعية، لأن شعبها ليس أفضل منا". وهو يعتبر تونس "غير مستقلة بعد"، ويطالب أوروبا "برفع يدها عن ثرواتها". ويرى أن ثورة تونس "لم تنته بعد". ويصف نفسه انه مرشح الفقراء والبؤساء. ‏لا ينتمي سعيّد لأي حزب، ويرفض التحالف مع النخب السياسية الحالية. ‏له موقف حاد من التطبيع مع إسرائيل، ويعتبره "خيانة عظمى"، ويعتبر أن الشعوب العربية في حالة حرب مع إسرائيل، وأن من يقيم علاقات معها عدو، وعلى تونس أن تحاربه. يرفض "صفقة القرن"، ويقول إن الشعوب لا يمكن أن تكون موضوع صفقة.

مع أن وجهته الأولى عند توليه الرئاسة ستكون الجزائر، إلا إنه يرفض دخول تونس في سياسة المحاور. ‏قال قبل الانتخابات إنه "لن يصوّت لنفسه"، وسيضع ورقة بيضاء، معتبرا أن اختياره بيد الشعب.‏ يقترح إلغاء الانتخابات البرلمانية، وتعويض مجلس النواب بممثلين عن المجالس المحلية.

مهما كانت المسافة بين سعيّد المرشح وسعيّد الرئيس، فنحن أمام رئاسة مختلفة، تعطي فرصةً للجميع في تونس في الانتخابات النيابية لبناء مجلس نيابي جديد، يفرز حكومة واقعية توازن بين الرئيس الحالم والدولة العميقة، ممثلة برئيس الوزراء يوسف الشاهد ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي. ولدى حزب النهضة الذي أثبت أنه الحزب الوحيد في تونس، بحصوله على الترتيب الثالث، فرصة لترتيب بيته الداخلي، وتحقيق نتائج في الانتخابات النيابية تمكّنه من ترشيد المسار السياسي.

في الدستور التونسي مركز القرار هو مجلس النواب، ودور الرئاسة محدود. من المفيد لتونس وجود رئيس ممثل لثوابت ثورتها، ومجلس نواب منوّع وحيوي، يفرز حكومةً قادرة على تخفيف العبء عن المواطن التونسي.

لم تخيّب تونس أمل المراقبين ، وهذه ثالث انتخابات نزيهة فيها. والأمل أن تنتقل عدواها إلى العالم العربي، بدءاً من الجزائر. وكان لطيفا أن يكون من أول تصريحات رئيس السلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات في الجزائر، محمد شرفي، ترحيبه بالمناظرات التلفزيونية بالمرشحين لانتخابات الرئاسة في بلده أسوة بتونس. وغداة إعلان نتائج الجولة الأولى في تونس، بدأت الجزائر توزيع استمارات جمع التوقيعات للراغبين في الترشح للرئاسيات. إذا كانت الجزائر على طريق تونس في انتخاباتها، في 12 كانون الأول، نستطيع القول إن شمس العرب تشرق من المغرب.

ياسر أبو هلالة