العدد 1683 /1-10-2025

لم تصفق الصحف الغربية كثيراً لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة، ولأسباب عدة ربما، من بينها قلّة الثقة التي بات يعبّر عنها الإعلام الغربي صراحةً، برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أو لأن الصورة أصبحت أكثر وضوحاً لجهة إدراك مأساة الفلسطينيين، ما يجعل من الصعب تصور أن ترامب ونتنياهو، هما الشخصان القادران على إحلال سلام عادل ومستدام، أو يرغبان به حقاً. رغم ذلك، تفاوتت التقديرات الإعلامية الصادرة عن الصحف الغربية الكبرى، لجهة إمكانية نجاح صفقة ترامب التي لم تر فيها بمعظمها سوى "طلب استسلام غير مشروط" لحركة "حماس". أكثر المتفائلين، ولو بحذر، كان كاتب المقالات في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، ديفيد إيغناسيوس، الذي رأى أن صفقة ترامب قد تكون واعدة.

صفقة ترامب لإحراج "حماس"

وفي قراءة تحليلية لخطة ترامب، اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز، اليوم الثلاثاء، أن الرئيس الأميركي عرض أمس الاثنين خطته لوقف النار في غزة، وكأنها "صفقة تاريخية لجلب السلام بعد عامين من العنف الكارثي"، لكن "في الواقع، فإن العرض كان يشبه أكثر، إنذاراً نهائياً لحماس". ورأت الصحيفة، أن لقاء ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض، كان "عرضاً واضحاً للوحدة، في وقت كان الرئيس الأميركي أظهر إشارات إحباط من رئيس الحكومة الإسرائيلية، وبعدما أثارت الحرب صدمة الكثير من الدول حول العالم". وبرأي الصحيفة، فإن صفقة ترامب "لا تقول أي شيء ملموس حيال المسار للوصول إلى دولة فلسطينية". وقال الباحث في شؤون الشرق الأوسط بـ"مجلس العلاقات الخارجية" (بحثي)، إليوت أبرامز، للصحيفة، إن "حملة إسرائيل العسكرية أضعفت حماس جداً لدرجة أن قادة الحركة قد يكون عليهم أن يوافقوا على الخطة لإنقاذ أرواحهم". وبحسب اعتباره، "كان يُمكن أن تكون حسابات حماس قد قامت على أن العزلة الواسعة التي تعرضت لها إسرائيل، ستجبرها على وقف الحرب"، لكن بنظره، فإن "ترامب أزاح هذه الفرضية (أول من أمس)، فاليوم لم يعد الإسرائيليون مجبرين على التوقف. هذا الأمر يضع حماس في الزاوية".

لكن ما هو إيجابي في صفقة ترامب وفق "نيويورك تايمز"، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية أيضاً، قد يكون تراجع ترامب عن خططه لفرض التهجير القسري على أهل غزة. لكن وفق الصحيفة، فإن "الخطة، حتى لو وافقت عليها حماس، تبقي الكثير من علامات الاستفهام من دون أجوبة، وتطرح انخراطاً أميركياً قوياً" في عملية التنفيذ. وبرأي الباحث آرون ديفيد ميلر، من معهد "كارنيغي"، فإن "كل نقطة في العرض سيكون عليهم التفاوض حولها حتى النخاع". لكنه رأى أن العرض "ليس واحداً لرميه جانباً بعد وقف النار، لدينا العمل بأكمله، وعلى رأسه يجلس دونالد ترامب".

من جهته، اعتبر ديفيد إيغانسيوس، في "واشنطن بوست"، أنه بينما لا يزال الطريق بعيداً أمام "السلام" أو "صفقة القرن" التي طرحها ترامب في 2016، فإن الرئيس الأميركي وضع أمس أسساً صلبة لذلك لإنهاء الكابوس في غزة، وبدء مرحلة انتقالية لـ"اليوم التالي" هناك. ورأى أنه يجب انتظار موافقة "حماس"، وهو ما يصل وفق تعبيره أيضاً إلى "استسلام غير مشروط". وإذ أشار إلى أن نتنياهو قد يكون حصل "على بعض التنازلات"، من بينها ألا يكون للسلطة الفلسطينية دور مباشر في إدارة غزة إلى حين "إصلاحها"، وأن يحتل الجيش الإسرائيلي منطقة عازلة في غزة حتى إشعار آخر، لفت إلى أن السعودية يبدو أنها مستعدة لدعم الخطة، رغم أن العرض لا يتضمن أي وعد واضح بمسار لدولة فلسطينية، مضيفاً أنه ليس واضحاً ما إذا كان التطبيع بين المملكة وإسرائيل سيتبع إعلان أول من أمس.

خدعة السلام

وبعدما أعاد التذكير ببنود الخطة، نقل الكاتب عن مسؤولين عربيين كبيرين، قولهما له (يوم الجمعة الماضي)، إن لائحة بأسماء شخصيات فلسطينية من "التكنوقراط" تمّ فحصها لعضوية "اللجنة الحاكمة"، كما أن حوالي ست دول، بما فيها إيطاليا وإندونيسيا وأذربيجان، قد وافقت على إرسال قوات من أجل "قوة الاستقرار" في القطاع. وبعدما ذكّر بخروج ياسر عرفات من لبنان، وقيادات منظمة التحرير من لبنان عام 1982، رأى إيغناسيوس أن "صفقات السلام في الشرق الأوسط هي غالباً عبارة عن سراب"، لكنه حافظ على تفاؤله باعتبار أن ترامب "فتح الباب قليلاً لشيء مختلف هذه المرة". وفي تقرير آخر، رأت "واشنطن بوست" أن الكثير من البنود تنقصها التفاصيل، ما يمنح إسرائيل إمكانية إبطاء عملية إعادة تسليم غزة لسلطة فلسطينية كاملاً أو تعليقها. ونقل التقرير عن مسؤول مصري سابق مطلع على المباحثات قوله "إن الجميع بانتظار ما يحصل، بانتظار على ماذا سيوافق نتنياهو وماذا سيرفض، حتى يكون بإمكاننا تقديم تصور مصري كامل حيال العرض".

وبرأي صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، والمحافظة، في افتتاحيتها، فإن أبرز بنود الصفقة تقول إن إنهاء الحرب سيحصل "عندما تطلق حماس سراح المحتجزين الإسرائيليين، وتسلّم أسلحتها، وتتخلى عن السلطة". كما اعتبرت أن تبادل المحتجزين والأسرى الفلسطينيين "ليس صفقة عادلة لإسرائيل، وسيشجع على المزيد من خطف الرهائن، لكن الإسرائيليين سيقبلون بذلك"، مشكّكة بموافقة "حماس" أو بـ"التنازل عن كل أوراقها"، لأنها "بحاجة للسلاح لتحافظ على وجودها". ولمحت الافتتاحية إلى أن تطبيق الخطة قد يبدأ في مناطق معينة من غزة، بينما تكمل إسرائيل الحرب في مناطق أخرى، بحال عدم موافقة "حماس". واعتبرت أخيراً أن إسرائيل وحدها قادرة على محاربة "حماس" لإبقاء إسرائيل "آمنة"، وأن على ترامب أن يبيع خطة تعترف بذلك.

من جهتها، رأت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، اليوم، أن خطة ترامب لغزة تقترح بنوداً لم توافق عليها "حماس" في السابق، ما يدفع الخبراء إلى إبداء الشكوك بشأن إمكانية نجاح الخطة. ولفتت إلى أنه بعكس أفكار سابقة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير (الذي سيكون له دور في حكم غزة)، والتي تقوم على إدارة حكم للقطاع بتفويض أممي، فإن خطة ترامب تمهد لحكومة مدنية لإدارة غزة.

وفي تقرير لها مطول اليوم، اعتبرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، أن الخطة هي "خدعة السلام" (وليست "ساعة السلام"، مستخدمة عبارة "leurre" بدل l’heure). ورأت أنه "بإمكاننا أن نتفاءل، لكن خطة ترامب تهدد بإغراق المنطقة بحرب لعشرين عقداً إضافية"، كما شكّكت الصحيفة بنيات نتنياهو، ورأت أن الاتفاق الذي سرّبت بنوده إلى المراسلين في البيت الأبيض قبل 15 دقيقة من المؤتمر الصحافي المشترك، يُلاحظ فيه "ثقب الفأر" الذي يمكن لنتنياهو أن يهرب منه.