العدد 1681 /17-9-2025

سامح راشد

بعد الضجة التي أحدثها العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطر الأسبوع الماضي، من الواجب قراءته وفهمه من منظور شامل. فهناك من تسرّع بتسكينه في نطاق "خيانة" كل من واشنطن وتل أبيب الدوحة، باعتبارها حليفاً استراتيجياً للأولى، وهو توصيف خاطئ، لأن الحلفاء لدى واشنطن درجات، ومن سوء التقدير أن تفترض أي دولة عربية تتشابه مكانتها بالنسبة لواشنطن مع أي دولة أوروبية أو مع اليابان. ولمّا كان العدوان الإسرائيلي بحقّ الدوحة هجوماً عسكرياً غير مسبوق على دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي. فمعنى ذلك أن دول المجلس التي ظلت عقوداً في منأى عن مغامرات إسرائيل العسكرية وانتهاكاتها، فقدت تلك الوضعية من الآن فصاعداً. فعدوان الثلاثاء الماضي على الدوحة يناقض أو بالأدق "ينسف"، فكرة مظلّة الحماية كأساس لمعادلة العلاقات الوثيقة بين دول الخليج العربية وواشنطن.

وفي سياق الأهداف وما تحقق منها، بدا جلياً أن هدفاً أساسياً لذلك العدوان، يتمثل في دفع قطر إلى التخلي عن دورها الجوهري وسيطاً محايداً يسعى بدأب إلى إنهاء حرب غزة. فقبل العدوان بأيام كانت حركة حماس قد أعلنت قبولها الصيغة المقترحة لاتفاق إنهاء الحرب. ولم يعد لدى واشنطن أو تل أبيب أي مبرر للتراجع مجدداً والتنصل من الصيغة المطروحة من جانبهما أساساً. فأعدّا فخاً افتعلا بموجبه تعديلات جديدة غير ذات أهمية، وضغطت واشنطن تستعجل رد حركة حماس، ليتم قصف مقر اجتماع قيادات الحركة لبحث ومناقشة الرد.

والهدف التكتيكي لتلك العملية ذات الطابع الاستخباري القذر، دفع الدوحة إلى الرجوع خطوة إلى الوراء وإيقاف جهودها في الوساطة. لتنفرد إسرائيل بالغزيين وتتخلص من حرج المماطلة والتهرب من المسار التفاوضي، إذ لن يتبقى وسيط سوى مصر التي يمكن تصعيد الضغط على "حماس" من خلالها، بل اتهامها بالانحياز إلى الفلسطينيين (كما حدث مرّات). وربما تنجح تل أبيب في إبعاد القاهرة أيضاً عن الوساطة، بطريقة أو بأخرى.

وقد تمكنت الدوحة من إيقاف هذا السيناريو الجهنمي، إذ اتضح من اللحظة الأولى إدراك السياسة القطرية للمخطّط الإسرائيلي الأميركي، فجاء الخطاب الرسمي القطري مباشراً وصريحاً وموضوعياً، من دون الانزلاق إلى تبني مواقف متعجلة أو قرارات انفعالية. وجسدت ذلك الموقف بشكل نموذجي، كلمة رئيس وزراء قطر وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمام مجلس الأمن.

في نطاق أوسع، تزامن اعتداء إسرائيل على قطر مع ضربات وجهتها في اليوم نفسه إلى أهداف في سورية واليمن والمياه الإقليمية لتونس. وهنا المغزى الأخطر من الاعتداء على قطر أو كل من هذه الدول بمفردها، أن تل أبيب تتبجّح بقدرتها على شن هجمات عسكرية (وإن كانت خاطفة ومحدودة) في أكثر من جبهة على التوازي، وكلها جبهات عربية. ولو لدى إسرائيل مجرد شك في أن رداً عربياً سيصدر من أي اتجاه، لما جرؤت على هذا السلوك. وقد وصلت الرسالة للعرب جميعاً، لكن لا أحد يعلم ماهية وكيفية الرد العربي، إن كان ثمة رد.

يضع عدوان 9 سبتمبر على قطر والدول العربية الأخرى العرب أمام لحظة حقيقة لا يمكن إنكارها، تلك اللحظة الموجبة للتحرك. ليس بالضرورة نحو تحرير القدس أو إيقاف غطرسة نتنياهو ومواجهة عنفوان ترامب؛ وإنما فقط ليجتمعوا على كلمة سواء، بتحديد مصدر التهديد الشامل والعدو الأساسي للجميع وليس لكل دولة وفق تقديراتها وحساباتها الفردية. ليس المطلوب معجزة إلهية، وإنما فقط مواجهة عربية مع النفس وإيقاف هروب بعضهم إلى الأمام ومنع سقوط الجميع في الهاوية.