العدد 1351 / 27-2-2019

بقلم : المهدي مبروك

مرّت في الأسبوع المنقضي الذكرى الثلاثون لتأسيس اتحاد المغرب العربي. لم تكن النخب المغاربية الرسمية مشدودةً إليها، ما عدا ندوات أقامتها جمعيات وفعاليات ما زالت تؤمن بأن مصيرا واحدا مشتركا يجمع شعوب المنطقة، بقطع النظر عن إحباطات الحاضر وخيبات المنجز منه. اختفى المؤسسون الذين وقعوا وثيقة ميلاد الاتحاد وبيانه التأسيسي، معمر القذافي والحسن الثاني وبن علي ومعاوية ولد الطايع والشاذلي بن جديد، ظلت فقط ابتساماتهم العريضة أمام عدسات الكاميرا تثير جدلا كثيرا: ابتسامة ماكرة أم أمل حقيقي خنقته السياقات الضاغطة والمدمرة؟

ظلت الحكومات المتعاقبة والسياسات التي تلت هؤلاء تعيد إنتاج التردد، حتى ليخيل لنا أن كل المؤشرات الحالية تشي بأن المؤسسين أعطوا الأوامر لمن ورثهم بأن تظل الأمور جامدة. وكان البيان المؤسس الذي تلي على الحاضرين مفعما بالأمل والرصانة والحكمة، وهو ينص على عدد من الأهداف، لعل أهمها: تمتين أواصر الأخوة، تحقيق رفاهية البلدان، وفتح الحدود بين الدول لمنح حرية التنقل كاملة (هكذا) للأفراد والسلع والأموال، والتنسيق الأمني والعسكري والدفاع المشترك. ولكن جرت رياح كثيرة مزّقت شراع السفن وأغرقتها.

لم يخترع أولئك القادة كيانا، بل استجابوا لمطلبٍ ملح، حلمت به أجيال عديدة، منذ مكتب المغرب العربي في القاهرة سنة 1947 ومؤتمر طنجة سنة 1958، علاوة على عشرات الهيئات التي ضمت عمال وطلبة شمال أفريقيا في المهجر، وتحديدا في فرنسا منذ عشرينيات القرن الماضي، حيث كانت الهوية المغاربية شعورا وانتماءً عاشته تلك الأجيال، وهي تحت الاستعمار.

عوامل عديدة عطلت بناء المغرب العربي الذي ظل مختزلا في مقر أمانته العامة في الرباط، ويبدو أن الأمين العام الحالي، وزير الخارجية التونسي الأسبق، الطيب البكوش، لم يحظ باستقبال أي من قادة دول المغرب العربي، على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على تعيينه، خلفا لسلفه التونسي أيضا الحبيب بن يحيى، وفي ذلك أكثر من مؤشّر على إصرار القادة المغاربة على تجميد هذا الهيكل.

"حين انبعثت فكرة المغرب العربي الموحد في أوائل الأربعينيات في القرن الماضي، لم يكن الأوروبيون قد وردت على بالهم إمكانية الوحدة" وكانت الحرب تدك الأوطان الأوروبية، وتزرع قنابل الموت والحقد والكراهية، ولكن الأوروبيين استطاعوا بعدها تجاوز كل جبال الحقد تلك، وطي صفحاتٍ عديدةٍ من الماضي المؤلم، وألا يورّثوا الأجيال المتعاقبة تلك المشاعر، بل على خلاف ذلك، بدأوا في بناء مستقبل موحد من خلال خطواتٍ كانت آنذاك شحيحة ومتواضعة من خلال توحيد مبادرات اقتصادية تشمل الفولاذ والنقل.. إلخ.

ولكن توسعت هذه المبادرات واستقرت على هيكل ومؤسساتٍ كانت تبحث عن المشترك من المصالح تحديدا. تجنبوا إثارة المسائل الهووية والفكرية والتاريخية، فهناك خلفها جروح لم تندمل. لم تكن المصلحة عيبا، كما نفهم عادة، بل كانت بيداغوجيا متميزة، لا ترى في الاتحاد الأوروبي سوى مصلحة وخير عميم يشمل المواطنين الأوروبيين أينما كانوا. تدرّجوا في التمشي، حتى استوى الاتحاد الأوروبي صرحا زالت فيه الحدود الداخلية تقريبا، وتجول داخله البشر والبضائع والأفكار، من دون حواجز، وتوحدت العملة، وخدمات عديدة، ومنها سيادي على غرار الجمارك والأمن والدفاع، ولم تشعر الدول أنها تنازلت عن سيادتها.

كانت العوامل الحاسمة التي ساعدت في استكمال بناء الاتحاد الأوروبي عديدة، لعل أهمها الإرادة الصادقة في بناء مصير مشترك، لا يقف على تفاصيل الماضي ومنعرجاته وأخاديده المؤلمة، التنازل للديموقراطية حين تكون طموحات الشعب في الوحدة مطلبا لعيش مشترك في كنف الرفاهية و الرخاء، وأخيرا الثقة المتبادلة بين شركاء المصير.

للأسف، تختفي هذه العوامل في حالة المغرب العربي، وربما في ما يماثلها مشرقا، أي مجلس التعاون الخليجي الذي يمر تقريبا، منذ بدء أزمة حصار قطر، بالمصير نفسه. وفي أحدث تقاريره، يؤكد صندوق النقد الدولي أن تعثر اتحاد المغرب العربي يحرم بلدان المنطقة من ثلاث نقاط في معدلات النمو، وهو رقم مهم، إذا ما استحضرنا الأزمات الحادّة التي تمر بها هذه البلدان مند سنة 2010.

وتؤكّد كل المعطيات أن بلدان المغرب العربي يمكن أن تقدّم نموذجا متينا لتجمع إقليمي ناجح: موارد طبيعية متنوعة، موارد بشرية متكاملة، وتاريخ مشترك، فضلا عن مصيرٍ بات موحدا إذا ما أردنا البقاء أمة تأبى الانقراض، أما قضية الصحراء الغربية التي يعلق عليها بعضهم شماعات كل إخفاقات اتحاد المغرب العربي فهي، على أهميتها، ليست الا ذريعة ... لمزيد من تجميد الاتحاد، ودفعه إلى موت سريري، حتى يعجّل بعضهم إلى دفنه إكراما له.

محمد السادس: التحدّيات التي يواجهها العرب ترجع أحيانا لسلوك بعض دولهم

قال الملك المغربي محمد السادس في خطاب وجهه إلى القمة العربية الأوروبية وقرأه رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، إن ما يواجهه العالم العربي من تحديات خطيرة تهدد أمنه واستقراره، راجع أحيانا إلى سياسات وسلوكيات بعض دوله تجاه البعض الآخر.

وشدد الملك المغرب على أن القضاء على هذا التهديد يظل رهنا بالالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية، والتوقف والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية.

ودعا إلى التركيز على أولويات تهمّ الأمن القومي العربي الذي ينبغي أن يظل شأنا عربيا، في منأى عن أي تدخل أو تأثير خارجي.

كما دعا محمد السادس التكتلات العربية الإقليمية -ومن بينها اتحاد المغرب العربي- إلى ضرورة تجاوز العوائق السياسية والخلافات الثنائية.