نواف التميمي

تُثير السخرية، قبل أن تُثير الاستهجان والاستنكار، هرولة بعض «الصحافيين العرب» لزيارة تل أبيب، ولا سيما وهي تتغطّى تحت ذرائع «التعرف» إلى إسرائيل عن قرب. ثلة أخرى ممن يسمّون أنفسهم «صحافيين عرباً» تزور إسرائيل، بمناسبة ذكرى المحرقة اليهودية (الهولوكوست) «للاطلاع عن كثب على إسرائيل، والتعرّف إلى سياستها تجاه النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والتعرّف إلى التعايش بين مكونات المجتمع»، كما قال متحدّث باسم الخارجية الإسرائيلية. 
بغض النظر عن هوية هؤلاء الصحافيين وأوزانهم المهنيّة، نتساءل عمّا سيتعلمه هؤلاء عن إسرائيل خلال سبعة أيام، ما دام سبعون عاماً من الاحتلال والعدوان لم تكن كافيةً لتعليمهم حقيقة هذا الكيان الغاصب. وهل سيسمح المُضيف الإسرائيلي للوفد الضيف بالتعرّف فعلاً إلى حقيقة إسرائيل، بدءاً من احتلالها مبنى مطار بن غوريون الذي أقيم على أراضي مدينة اللد الفلسطينية، وصولاً إلى مبنى الكنيست، مهد «الديمقراطية الإسرائيلية»، الذي شُيد على أراضي حي الشيخ بدر، بعد قتل سكانه المقدسيين في مجازر التطهير العرقي، أو تهجيرهم على أيادي عصابات شتيرن وهاغاناه الصهيونية؟ 
هل سينبهر الضيوف بـ«التعايش» بعد زيارة المدن الفلسطينية داخل «إسرائيل»: حيفا، ويافا، وعكا، والناصرة.. إلخ، ورؤية المساكن العربية وساكنيها الذين تحرمهم القوانين الإسرائيلية العنصرية رخص الترميم أو البناء؟ وأي «تعايش» سيلمسه «الصحفيون العرب»، في أجواء العنصرية والكراهية التي يواجهها عرب «إسرائيل»؟ وهل اطلع «الصحافيون» قبل قدومهم على تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب، في كتابه السنوي لعام 2017، وما ورد فيه من جوانب العنصرية، والكراهية، وحرمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي يعاني منها الوسط العربي في إسرائيل؟ وهل يتضمن برنامج الوفد مقابلة النواب العرب في الكنيست، للاطلاع على حزمة القوانين العنصرية التي تُسن ضدهم، ومختلف أشكال التنكيل التي يواجهونها في ظل «ديمقراطية» إسرائيل؟ 
وإلى الجنوب من الخط الأخضر، خلف جدار الفصل العنصري، ماذا سيرى الوفد الضيف؟ هل ستُتاح له زيارة الكتل الاستيطانية التي تغتصب الأرض الفلسطينية، من القدس وصولاً إلى جنوب الخليل؟ وهل ستعبر سيارة الوفد «العربي» عبر عشرات البوابات والحواجز التي تُقطّع مدن الضفة الغربية وقراها؟ وهل يعلم «الصحفيون العرب» أن الطرق الالتفافية التي تعبرها حافلتهم بحراسة الجيبات العسكرية، إنما هي طرق «الأبارتهايد» المخصصة للمستوطنين، ويُمنع على السكان الأصليين استخدامها؟ هل سيكون ضمن برنامج الوفد زيارة المخيمات، حيث تتكدس طوابير اللاجئين الذين شرّدتهم «إنسانية» إسرائيل من ديارهم، لتشيد مكانها مباني عصرية، تعكس وجه إسرائيل «الديمقراطي والحضاري»؟ 
وماذا سيرى «الصحافيون» إلى الجنوب من منتجعات تل أبيب، ونهاريا، وإيلات على شاطئ البحر المتوسط؟ بالتأكيد، لن يُوجع المُضيف قلوب ضيوفه، ولن يعكّر صفو رحلتهم، بما يجري خلف معبر إيريز، حيث تم تهجير مليوني فلسطيني من أراضيهم وبيوتهم في عسقلان، والمجدل، وبيسان، وغيرها من مدن فلسطين التاريخية، يحشرون في قطاع غزة، تحت وطأة حصار قاتل يمنع الفلسطيني حتى من نسيم البحر. 
وماذا سيعرف الوفد الضيف عن سياسة إسرائيل إزاء «النزاع» العربي الإسرائيلي؟ بالتأكيد لا شيء غير الأكاذيب التي تروّجها ماكينات الدعاية الصهيونية، من قبيل أن «أعداء إسرائيل يسعون إلى نزع الشرعية عنها»، وأن «العرب لا يقبلون حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره». بالإضافة إلى تقديم قصة النجاح الإسرائيلي في إقامة دولة «عصرية ديمقراطية». 
باختصار، لن يرى هؤلاء «الصحفيون» من إسرائيل إلا ما يريده المُضيف، من دفع تذاكر الطائرة، وتكاليف الإقامة في الفندق الفاخر، ومن قدّم الهدايا التذكارية. أما من يسعى إلى معرفة حقيقة إسرائيل، فيكفيه رصد المحرقة التي ترتكبها في فلسطين منذ اغتيال الوسيط الأممي، الكونت برنادوت، في 17 أيلول 1948، حتى اغتيال أحمد جرار، فجر الاثنين الماضي، وغير ذلك تطبيلٌ مكشوف لتطبيعٍ مرفوض.}