العدد 1371 / 24-7-2019

بقلم : صلاح الدين الجورشي

"يحلم الذين يتصورون حركة النهضة يمكن أن يحدث فيها انشقاق".. هذا ما صرح به عماد الخميري، الناطق الرسمي باسم الحركة، تعقيبا منه على تصريحات الخصوم، أيضا محاولة منه امتصاص الغضب الذي اجتاح مؤخرا جانبا من الكوادر القيادية أو الوسطى.

لقد سجلت في الأيام الأخيرة مواقف شديدة النقد موجهة ضد رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي والمكتب التنفيذي. وتعتبر هذه من الحالات النادرة التي يتجرأ فيها بعض الأعضاء بنشر انتقادات وعلنية، بعيدا عن الانضباط الذي طبع به الجميع خلال الأزمات السابقة. ماذا حصل؟

من المعضلات الكبرى التي تواجهها الأحزاب والحركات الاجتماعية تتمثل في التحكم بأعضائها، وكيفية اتخاذ القرار داخل هياكلها، وكلما اتسع حجم هذه الكيانات تعددت الطموحات الفردية، وبرزت التطلعات الشرعية للقواعد، مقابل رغبة القيادات التاريخية في تعزيز نفوذها وتثبيت هيمنتها على مختلف مفاصل التنظيم، والعمل بالخصوص على التحكم في آليات اتخاذ القرار، وفي المساحة التي تعطى لمشاركة البقية في وضع السياسات. الأمر الذي يؤدي غالبا إلى فتح المجال أمام ما يسمى بصراع الإرادات وتنازع النفوذ، والدفع بالبعض نحو الانسحاب.

برزت التطلعات الشرعية للقواعد، مقابل رغبة القيادات التاريخية في تعزيز نفوذها وتثبيت هيمنتها على مختلف مفاصل التنظيم، والعمل بالخصوص على التحكم في آليات اتخاذ القرار

تولد الحركات الإسلامية في بداية نشأتها على صيغة جماعات دينية، ويطغى على العلاقة بين المؤسس والأنصار نزعة الشيخ والمريدين، حيث يتم إضفاء صفات الكمال، من تقوى وحكمة وعلم وغيرها من خصائص القيادة الراشدة؛ على شخص المؤسس. لكن بعد التأسيس والنمو تبدأ النوازع البشرية تفعل فعلها في الأفراد، ويتأكد أن الجميع، بمن في ذلك الشيخ المؤسس، يمكن أن يقعوا في الخطأ وسوء التقدير، وأن الحزب يختلف عن الثكنة العسكرية، وأن الشورى ضرورة حيوية، وأن التداول على المسؤوليات مطلب مشروع وضروري، وأن الشخصنة منافية للنمو والتقدم.

حركة النهضة ليست استثناء في هذا الأمر، وقد تعرضت في تاريخها لمثل هذه العوارض والأزمات، وكان مؤتمرها الأخير فرصة لإثارة هذه المسألة. إذ ظهر تيار واسع وقوي يدعو إلى توسيع الممارسة الديمقراطية داخل الحركة. وتمثل الطلب المحوري لهذا التيار في تمكين القواعد من حق ممارسة الانتخاب الحر لمختلف ممثليهم داخل الحزب، بمن في ذلك أعضاء المكتب التنفيذي.

تجدد الخلاف مرة أخرى عندما قام المكتب التنفيذي بإدخال تعديلات اعتبرت جوهرية على عدد من القوائم أدت إلى إبعاد بعضهم أو تغيير المنطقة التي رشحته خلافا لإرادة الناخبين

اعترض الشيخ الغنوشي على النقطة الأخيرة، بعد أن قبل مبدأ اختيار أعضاء مجلس الشورى وأعضاء قوائم الحركة بالمجالس التمثيلية، مثل البرلمان والبلديات، وهو ما فجر أزمة خطيرة يومها؛ عندما وضع رئيس الحركة المؤتمرين أمام اختيار صعب: إما استقالته من القيادة، أو تمكينه من حرية اختيار أعضاء المكتب التنفيذي؛ الذين هم أشبه بالوزراء الذين سيساعدون رئيس الحكومة على تطبيق السياسة التي يختارها.

كانت تلك لحظات حرجة اختلطت فيها العاطفة بالمصلحة، وتعانق خلالها المختلفون بعد أن سالت دموع الجميع بمن ذلك الرئيس المؤسس. وفي النهاية تم القبول بأن يختار الشيخ أعضاء المكتب التنفيذي؛ الذي له الصلاحية أيضا في إبداء الرأي في القوائم الانتخابية قبل تمريرها. واليوم تجدد الخلاف مرة أخرى عندما قام المكتب التنفيذي بإدخال تعديلات اعتبرت جوهرية على عدد من القوائم أدت إلى إبعاد بعضهم أو تغيير المنطقة التي رشحته خلافا لإرادة الناخبين. وهو ما جعل المعترضين يوجهون اتهامات إلى الشيخ الغنوشي وأنصاره، كما اعتبروا أن ما جرى من شأنه أن يمس من مصداقية الديمقراطية الداخلية.

إذ يُستبعد سيناريو الانقسام حاليا رغم غضب البعض وتهديدات البعض الآخر، لكن المؤكد أن الحركة تمر بحالة تململ شديد

هكذا بدت "النهضة" في وضع حرج قد يؤشر على احتمال حصول أزمة عميقة في صلبها، وهو ما تنفيه القيادة بشدة. وإذ يُستبعد سيناريو الانقسام حاليا رغم غضب البعض وتهديدات البعض الآخر، لكن المؤكد أن الحركة تمر بحالة تململ شديد. ويعود السبب إلى العوائق التي لا تزال تحول دون التقدم نحو تجسيد كامل لمبدأ الديمقراطية الداخلية، بعد الخطوات التي قطعت في هذا الاتجاه. فالجميع لا يزالون في انتظار كيف سيتعامل الغنوشي مع القانون الداخلي الذي يفرض عليه عدم الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة، وبالتالي فتح المجال أمام مبدأ التداول الديمقراطي، مع العلم أن هناك من كوادر النهضة التي لا تزال تعتقد بأن استمرار الغنوشي في القيادة "ضرورة" حركية ووطنية، وهي لا تزال تبحث عن الصيغة الملائمة لتمرير ذلك وتبريره.

بقطع النظر عن الملابسات الظرفية التي تمر بها حركة النهضة حاليا، ودون النظر إلى رغبة خصومها في أن يروها عرضة لنفس المآل الذي انتهت اليه بقية الأحزاب من حيث توالي الانشقاقات والتشرذم، فالمؤكد أن كوادر النهضة مسكونة بهاجس ما بعد الغنوشي الذي نجح في أن يطبع الحركة بشخصيته الأبوية في جميع مراحلها، وأن يتمكن من إبعاد كل الذين نافسوه على القيادة والزعامة.

الغنوشي يترشح لعضوية برلمان تونس

رشحت حركة النهضة التونسية زعيمها راشد الغنوشي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهي المرة الأولى منذ الثورة التي ينافس فيها على منصب رسمي.

وفي بيان نشرته مساء السبت بمواقع التواصل الاجتماعي، قالت الحركة إنها اتخذت قرارات من أبرزها ترشيح الغنوشي على رأس قائمتها في دائرة تونس الأولى.

وأضافت أن هذه القرارات صدرت في ختام أعمال المكتب التنفيذي الذي صادق على قوائم الحركة لكل الدوائر الانتخابية داخل البلاد وخارجها، التي ستخوض الانتخابات البرلمانية المقرر تنظيمها في السابع من تشرين الأول المقبل.

وقال المتحدث باسم حزب النهضة عماد الخميري لوكالة رويترز إن قرار ترشيح الغنوشي هدفه أيضا أن يلعب زعماء الأحزاب دورا رئيسيا في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الانتقال الديمقراطي في البلاد.

ومنذ ثورة 2011، لم ينافس الغنوشي مطلقا على أي منصب رسمي سواء الجهاز التنفيذي أم التشريعي، بيد أنه أكد مؤخرا أنه "المرشح الطبيعي" للحركة كما ينص على ذلك قانونها الداخلي في حال لم يحصل توافق على مرشح من خارجها.

ووفق رويترز، فإن ترشح الغنوشي لعضوية البرلمان المقبل يعزز التكهنات بأنه يسعى للعب دور أكبر في الفترة المقبلة ربما كرئيس للوزراء أو رئيس للبرلمان في حال فوز حزبه بالانتخابات.

وأقر المكتب التنفيذي لحركة النهضة القوائم التي ستخوض الانتخابات البرلمانية بعد جدل داخلي أثاره إعلان القوائم الأولية المترشحة، حيث عبر بعض القياديين عن استيائهم لنقلهم إلى خارج الدوائر التي يريدون الترشح فيها، أو لعدم التزام المكتب التنفيذي بترتيب المترشحين الذي أفرزته الانتخابات الداخلية.

وقللت الحركة من حجم الانتقادات لقرارات مكتب التنفيذي فيما يخص تركيبة القوائم الانتخابية، وقالت إن ذلك يعبر عن الديمقراطية داخلها. وتشكل النهضة الكتلة الكبرى في البرلمان (68 نائبا من مجموع 217 نائبا في البرلمان)، وهي جزء من الائتلاف الحاكم.

حزب الشاهد يتهم الرئيس السبسي بخرق الدستور

اتهمت حركة "تحيا تونس"، بقيادة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، يوم الأحد، رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، بخرق الدستور؛ لعدم توقيعه على تعديلات قانون الانتخاب.

وبعد يوم من نهاية الآجال (المدة) القانونية دون توقيع السبسي، أعلن نور الدين بن نتيشة، المستشار السياسي للسبسي، في تصريحات يوم السبت، أن الأخير لم يوقع بعد القانون الأساسي المتعلق بإتمام وتعديل قانون الانتخابات والاستفتاء.

وعقب اجتماع لهيئتها السياسية، قالت حركة "تحيا تونس"، في بيان، إن عدم ختم القانون، بعد استيفائه جميع الإجراءات الدستورية، وبعد المصادقة عليه من طرف مجلس نواب الشعب (البرلمان)، وتأكيد دستوريته من الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، يُعــــدّ خرقًا لأحكام الدستور، وسابقة خطيرة تُهــــدّدُ مسار الانتقال الديمقراطي واستقرار مؤسسات الدولة."

وأضاف البيان أن الهيئة السياسية (لتحيا تونس) "تُعبّــرُ عن عميق انشغالها للارتباك الحاصل في عمل مؤسسة رئاسة الجمهورية".

ودعت "جميع الأحزاب الوطنية لاجتماع عاجل، قصد اتخاذ موقف مُوحّد يحمي الدستور ومؤسسات الدولة".