فهمي هويدي

إذا كان أحد الكتاب الإسرائيليين قد اعتبر تقنين «الكنيست» لسرقة الأراضي الفلسطينية بمنزلة «بصقة» في وجه المجتمع الدولي، فكيف نصف وقعه على العالم العربي صاحب «القضية المركزية»؟!
الوصف الأول أطلقه تسفي برئيل في مقالة نشرتها صحيفة «هاآرتس» بعد يومين من إقرار البرلمان الإسرائيلي للقانون، الذي أضفى شرعية على سرقات المستوطنين للأراضي التي يملكها الفلسطينيون في الضفة الغربية. وهي خطوة غير مسبوقة لم يجرؤ الكنيسيت على الإقدام عليها من قبل، ولم يكن ذلك تعففاً أو حياءً بطبيعة الحال، لأن الأحزاب اليمينية نجحت في فرضه بما يمثله من تحدٍّ صارخ للمجتمع الدولي وانتهاك وقح للقانون الدولي؛ ذلك أن الاستيطان، بمعنى نقل السكان إلى الأراضي المحتلة، يعدّ جريمة حرب حسب ميثاق روما، لكن إسرائيل تحايلت وفرقت بين مستوطنات تقيمها الدولة، وهذه أجازتها رغم أن القانون الدولي يجرّمها، وبين البؤر العشوائية التي يقيمها المستوطنون من جانبهم خارج مخططات الدولة، وهذه يبطلها القانون الإسرائيلي من الناحية النظرية، وبمقتضى ذلك القانون صدرت أحكام قضائية بإزالة بعض تلك البؤر من باب ستر العورة وذرّ الرماد في العيون، حيث لا يغيب عن أحد أن المشروع الاستيطاني برمته جزء أصيل من سياسة الدولة العبرية، التي قامت على اغتصاب الأراضي وإحلال شعب مستورد محل الشعب صاحب الأرض.
لقد عرفنا سرقة للأراضي في فلسطين بقوة السلاح، ثم الاحتيال من خلال إصدار 43 قانوناً لمصادرة أراضي الفلسطينيين. أما القانون الذي أُقرَّ يوم الاثنين الماضي بدعوى تسوية الأراضي، فإنه لم يلجأ إلى الاحتيال وقرر بمنتهى الصفاقة أن المستوطنين إذا استولوا من جانبهم على أراض يملكها فلسطينيون، حتى إذا تم ذلك خارج مخططات الدولة، فليس للفلسطيني صاحب الأرض أن يرفع دعوى لاستردادها، وإنما يصبح مخيراً بين أمرين: إما القبول بالتعويض المالي أو مقايضته بأرض بديلة، وهو ما يعني إسقاط التمييز الذي كان قائماً بين المستوطنات الحكومية، وتلك التي يقيمها الأفراد أو الجماعات الأهلية.
الأثر المباشر لهذه الخطوة يتمثل في فتح الباب على مصراعيه لتقنين نهب الأراضي والتمدد التوحشي الاستيطاني في الضفة الغربية، بما يمهد لضمها وإخضاعها للقانون الإسرائيلي، فضلاً عن أنه يجهز على أمل قيام الدولة الفلسطينية، التي أصبحت في خطاب السلطة شعاراً وهتافاً بلا مضمون على الأرض. يؤيد ذلك ويرجحه أن الحكومة الإسرائيلية قررت أخيراً إقامة ستة آلاف وحدة سكنية جديدة، في تحدّ لقرار مجلس الأمن حظر الاستيطان، ولا يشك أحد في أن ذلك ما كان له أن يحصل دون ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية الجديدة التي صرح ناطق باسمها بأن المستوطنات لا تشكل تهديداً للسلام أو عقبة في طريقه.
وأستحيي أن أقول إن الصمت العربي الرسمي إزاء المرحلة الجديدة من سرقة الأراضي الفلسطينية، بمنزلة ضوء أخضر ضمني يطمئن إسرائيل إلى أن ما تفعله لن يعكر الصفو ولن يفسد «للود» قضية. في مواجهة هذا الموقف، فإن السلطة الفلسطينية قد ينقذها من الحرج والفضيحة أن ترفض المحكمة العليا في إسرائيل إجازة القانون. أما إذا وافقت عليه فأمامها خياران: الأول تنفيذ قرار المجلس المركزي واللجنة التنفيذية الصادر منذ سنتين بوقف التنسيق الأمني، وإعادة تقويم العلاقة مع إسرائيل في مختلف المجالات. الثاني أن تلجأ السلطة إلى المحكمة الجنائية الدولية لتحدد موقفها إزاء تقنين سرقة الأراضي ونهبها، ومبلغ علمي أنها يمكن أن تلوح بذلك، لكنها أعجز من أن تقدم على أيّ منهما.