العدد 1520 /20-7-2022

بقلم: عادل النواب

تُخيّم أجواء التوتر السياسي على العاصمة العراقية بغداد ومدينة النجف، جنوبي البلاد، منذ عدة أيام إثر التسريبات الصوتية المنسوبة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، التي هاجم فيها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

وتحدث المالكي عن خطط لتشكيل ما بين 10 إلى 15 جماعة مسلحة، قال إنها ستهاجم النجف إذا تطلب الأمر لمواجهة الصدر، الذي وصفه بعبارات حادة أثارت جمهور التيار الصدري، وخرج المئات منهم في الناصرية وبغداد بتجمعات منددة بتصريحات المالكي، في وقت سجل هجوم مسلح على النائب في البرلمان، المقرب من المالكي، محمود السلامي في محافظة ذي قار، لم يسفر عن خسائر. كما أعلن مجلس القضاء الأعلى في العراق، أمس الثلاثاء، أنه باشر التحقيق بالتسريبات.

وتمّ نشر التسريبات على خمسة أجزاء حتى الآن، ومن المفترض نشر العديد منها بعد. وفي السياق، يقول مُسربها الصحافي العراقي المقيم في واشنطن علي فاضل، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "هناك 6 أجزاء أخرى ستُنشر، ومنها ما يحمل معلومات وتفاصيل خطيرة، من اجتماع للمالكي مع أعضاء في مليشيا (أئمة البقيع)، التي تنشط في محافظة ديالى الحدودية مع إيران شرقي العراق. وشارك في الاجتماع مقرّبون من المالكي ضمن حزب الدعوة، وفقاً لما يظهر في التسجيلات، التي لم تقتصر على مهاجمة الصدر فقط، بل شملت قيادات سياسية أخرى بالبلاد، مع طرح سيناريوهات حصول مواجهات مسلحة لفرض واقع سياسي معين يريده المالكي".

وعلمت "العربي الجديد"، أن قوى "الإطار التنسيقي"، تسعى لتشكيل وفد يضم عدة شخصيات سياسية ودينية وعشائرية، والتوجه إلى النجف للقاء الصدر والتخفيف من حالة التوتر الحالي، وبذل مساع تجنّب أي ردود فعل تجاه تسريبات المالكي الصوتية، التي بات يطلق عليها في العراق مصطلح "ويكيليكس المالكي".

وقال قيادي في التيار الصدري لـ"العربي الجديد"، إن أطرافاً في "الإطار التنسيقي"، بدأت منذ مساء أول من أمس الاثنين، جهود التهدئة ومحاولة لملمة الأزمة ومنع تمددها، مؤكداً أن قوى "الإطار التنسيقي" وجميع القوى السياسية مدركة لصحة التسجيلات الصوتية، التي تتضارب الأنباء حول كيفية تسريبها.

ورجح تشكيل وفد ديني ـ عشائري لمقابلة الصدر، يضمّ شخصيات من عشيرة المالكي، لكن من غير المعلوم بعد تأكيد المقابلة، معتبراً أن "ثمن التسريبات هو حرمان المالكي من أي دور في الحكومات المقبلة".

ومساء الاثنين، ردّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على التسريبات الصوتية المنسوبة للمالكي، ببيان قال فيه إن "العجب كل العجب أن يأتي التهديد من حزب الدعوة المحسوب على آل الصدر ومن كبيرهم المالكي، ومن جهة شيعية تدعي طلبها لقوة المذهب".

وطالب الصدر بـ"إطفاء الفتنة من خلال استنكار مشترك من قبل قيادات الكتل المتحالفة مع المالكي من جهة، ومن قبل كبار عشيرته من جهة أخرى، وأن لا يقتصر الاستنكار على اتهامي بالعمالة لإسرائيل أو لاتهامي بقتل العراقيين، بل الأهم من ذلك، هو تعديه على قوات الأمن العراقية واتهام الحشد الشعبي بالجبن وتحريضه على الفتنة والاقتتال الشيعي ـ الشيعي".

ونصح زعيم التيار الصدري، المالكي بـ"إعلان الاعتكاف واعتزال العمل السياسي، أو تسليم نفسه ومن يلوذ به من الفاسدين إلى الجهات القضائية، لعلها تكون بمثابة توبة له أمام الله وأمام الشعب العراقي".

وبعد تغريدة الصدر، نشر حساب صالح محمد العراقي (ينشر بيانات وتصريحات التيار الصدري)، ويطلق عليها لقب "وزير الصدر الافتراضي"، تغريدة توجّه فيها إلى جمهور التيار الصدري، بالقول: "لا داعي للتظاهرات بخصوص التسريبات. شكراً لكم".

كما أصدر حزب الدعوة، بقيادة المالكي بياناً، بعد تغريدة الصدر، جاء فيه أن "هناك من يذكي نار الفتنة بيننا"، مضيفاً: "لن ننجر إلى فتنة عمياء بين أبناء الوطن الواحد والخط الرسالي الواحد، كما على الشعب والقوى السياسية الحذر من الوقوع في صراع لا يخدم إلا أعداء الإسلام والوطن".

في المقابل، رأى نائب عن تحالف "الفتح"، رفض الكشف عن اسمه، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "التسريبات تسببت بتعثر مساعي الإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة الجديدة، ليس على مستوى كتل التحالف ذاته وخشيتها من المضي بإجراءات الحكومة بهذا الجو المحتقن، بل حتى على مستوى تحالفي السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني".

واعتبر أنه "منذ التسريبات الصوتية المنسوبة للمالكي لم تحصل أي مفاوضات بين الإطار التنسيقي والأطراف الأخرى"، مقراً بأن "تسجيلات المالكي صحيحة، لكنها لا تمثل وجهة نظر الإطار التنسيقي، بل المالكي نفسه".

وحول سيناريوهات تهدئة الأوضاع قال النائب: "سيرضى الصدر بإبعاد المالكي عن المشهد بالحكومة المقبلة، وهذا ما سيكون تحدياً داخل قوى الإطار التنسيقي".

من جهته، لفت السياسي المقرّب من التيار الصدري فتاح الشيخ، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "التسريبات مقصودة في هذا الوقت، ومن يقف خلفها أطراف محددة داخل الإطار التنسيقي نفسه، بعد مساعي المالكي لطرح اسمه لرئاسة الحكومة المقبلة"، مشيراً إلى أن التسريبات الصوتية "أنهت أي آمال للمالكي بهذا الحراك".

وأضاف الشيخ أن "التسريبات الصوتية للمالكي، ستغير سير مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، بين الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة. وكل مقرّب من المالكي وعمل معه يعرف أن التسريبات صحيحة، فهذا هو أسلوبه ونهجه وحتى طريقة كلامه".

بدوره، قال عضو تحالف "السيادة"، حسن الجبوري في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن التسريبات الصوتية للمالكي، "فيها معلومات واتهامات خطيرة، لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال، وفيها تهجم على الكتل السنية والكردية، وهي بعيدة عن الحقيقة، وتؤثر بكل تأكيد على سير مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة".

وأكد أن "التسريبات ستعيد الحسابات السياسية فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، فهكذا تصريحات متشنجة ربما تغير مواقف سياسية كثيرة".

أما رئيس مركز "التفكير السياسي"، إحسان الشمري، فشدّد على أن التسريبات "غيّرت المشهد حتى داخل الإطار التنسيقي"، مضيفاً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "قوى الإطار التنسيقي، كانت من الأساس تحاول ألا تستفز الصدر. المالكي يحاول السيطرة على قرار الإطار التنسيقي، والتسريبات الصوتية ستغير كثيراً من مواقف الكتل السياسية داخل الإطار التنسيقي وخارجه. وهذا التسريب خدم أطرافا كثيرة داخل الإطار على حساب ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي".

وأضاف الشمري أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، سيراجعون طبيعة المواقف السياسية مع الإطار التنسيقي، وتحديداً مع زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي بعد نشر التسريبات الصوتية، ولهذا المشهد السياسي سوف يتغير كثيراً في الأيام المقبلة".

ويواصل تحالف المالكي "ائتلاف دولة القانون"، نفيه لصحة التسجيلات وتبنيه رواية أنه تم تزييف صوت المالكي عبر ما يصفها بـ"التقنيات الحديثة".

وفي السياق، يقول القيادي في التحالف فاضل موات، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "التسريبات الصوتية مفبركة والهدف منها إشعال الفتنة والاقتتال الشيعي – الشيعي، وتقف خلفها أجندات دولية وأطراف داخلية لا تريد استقرار العراق، وتريد بقاء الوضع على ما هو عليه لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية لها".

ويبيّن موات أن "نشر هكذا تسريبات صوتية مفبركة تم بتقنيات عالية لتقليد الأصوات وتهدف الى عرقلة سير عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، خصوصاً بعد الاقتراب من حسم هذا الملف من قبل الإطار التنسيقي، لكن هذه التسريبات لن تؤثر على تشكيل الحكومة أو المفاوضات بخصوصها مع الأطراف السياسية كافة".

ويتألف التسريب الصوتي من 48 دقيقة خلال اجتماع للمالكي مع شخصيات، يُعتقد أنها مرتبطة بـ"كتائب حزب الله" العراقية، يتم نشر مقتطفات منها كل يوم من قبل الصحافي العراقي المقيم في الولايات المتحدة علي فاضل.

وهاجم المالكي وفق التسريبات الصوتية الصدر وأتباعه، ووصفهم بصفات بذيئة، كما هاجم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، وزعيم حزب "تقدم" محمد الحلبوسي، قد أثار لغطاً في الشارع العراقي.

ونفى المالكي في بيانين متتالين له صحة التسجيل، مؤكداً أن هناك من قام بالتلاعب عبر التقنيات الحديثة لفبركة صوته وخلق فتنة، وفقاً لتعبيره، مشدّداً على احترامه لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.

يذكر أن الخلاف بين الصدر والمالكي، يعود إلى عام 2007 عندما انسحب وزراء التيار الصدري احتجاجاً على رفض المالكي تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من البلاد، الأمر الذي قلل المالكي من تأثيره.

واشتد الخلاف بعد عام واحد فقط عندما أطلق المالكي خلال ترؤسه الحكومة الأولى له، عملية عسكرية واسعة في البصرة ومحافظات جنوبية أخرى سميت "صولة الفرسان"، جرى خلالها قتل واعتقال المئات من عناصر "التيار الصدري" خلال مواجهات واسعة استمرت أسابيع عدة، وكانت تحت عنوان ضبط الأمن وسيادة القانون في تلك المناطق.