العدد 1515 /8-6-2022

تشهد مدن وسط العراق وجنوبه، منذ يوم الأحد الماضي، تظاهرات ووقفات احتجاجية، تخلل بعضها قطع طرق رئيسة ومهاجمة دوائر حكومية، بسبب تراجع معدل توفير التيار الكهربائي للمدن، في ظل ارتفاع درجات الحرارة واستمرار أزمة شحّ المياه.

وتنظر حكومة تصريف الأعمال في العراق برئاسة مصطفى الكاظمي وقوى سياسية عدة إلى ذلك بقلق بالغ. وتبدو الأوضاع في البصرة تحديداً غير مشجعة، حيث بدأت الرطوبة ترتفع مع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء، وتلاعب أصحاب المولدات بوقت التشغيل والإطفاء بحجج مختلفة، من بينها عدم توفير الحكومة للوقود بسعر مخفض أو بسبب الأعطال نتيجة التشغيل المتواصل.

وقطع عشرات المحتجين، يومي الأحد والاثنين الماضيين، الطريق الرئيسي الرابط بين بغداد ومحافظة ذي قار. وشهد طريق بغداد ـ ديالى الأمر ذاته، في وقت سجلت فيه النجف والديوانية وبابل والمثنى تظاهرات ليلية استمرت لساعات بعد انخفاض تجهيز الكهرباء إلى 8 ساعات متفرقة فقط من أصل 24 ساعة. وفي بعض المدن تأتي الطاقة منخفضة، ولا يمكن تشغيل مكيفات الهواء عليها.

وقال مسؤول حكومي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن مجلس الوزراء شكّل لجنة طارئة لبحث كيفية مواجهة أزمة الطاقة مع بدء الصيف، مؤكداً أن خفض إيران إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء العراقية أخيراً نتيجة عدم تسديد المستحقات المترتبة بذمة العراق لها، سبّب زيادة نقص تجهيز الطاقة.

واعتبر المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن المشكلة تكمن في العقوبات الأميركية على إيران، التي لا تسمح للعراق بدفع المبلغ بالدولار وقيمته نحو مليار و600 مليون دولار. وأوضح أن بغداد تسعى الآن لإقناع طهران بالتسديد بالعملة المحلية أو اليورو، بعد رفض الولايات المتحدة منح العراق استثناءً لتسديد المستحقات لإيران بالدولار الأميركي. وأقرّ بأن استمرار الأزمة قد يوسع نطاق الاحتجاجات ويؤدي إلى تظاهرات واسعة في مدن مختلفة، ما سيزيد من تعقيد المشهد السياسي كثيراً في العراق.

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، أحمد العبادي، لـ"العربي الجديد"، إن "سبب التراجع المفاجئ في تجهيز الكهرباء، يعود إلى قطع الجانب الإيراني تصدير 5 ملايين قدم مكعب من الغاز المورد للعراق يومياً، وهذا أثّر كثيراً بتجهيز المواطنين بالطاقة في مختلف المدن والمحافظات".

ولفت العبادي إلى أن "وقف الجانب الإيراني تصدير الغاز جاء بسبب الديون، ونحن نبحث حالياً معهم إعادة تزويد العراق بالطاقة الكافية من الغاز، مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة". وأضاف أن "العراق يعتمد كلياً على الغاز الإيراني في تشغيل محطات الطاقة، وأي نقص بهذا الغاز سيؤثر كثيراً بتوفير الطاقة الكهربائية للمواطنين، خصوصاً مع فصل الصيف، الذي يشهد استهلاكاً كبيراً للطاقة مع ارتفاع درجات الحرارة".

وبشأن التظاهرات الشعبية الاحتجاجية على سوء التجهيز بالطاقة الكهربائية، قال العبادي إن "وزارة الكهرباء تقدّر المعاناة التي يمرّ بها المواطنون مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، ونحن نعمل جاهدين على إعادة رفع ساعات التجهيز خلال الفترة المقبلة". واعتبر أن "التظاهرات مشروعة، ونحن نعمل على تلبية المطالب بالشكل السريع".

ويمثّل ملف الطاقة الكهربائية إحدى أبرز المشكلات الخدمية التي يعاني منها العراقيون منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، على الرغم من إنفاق الحكومات المتعاقبة أكثر من 41 مليار دولار على القطاع في السنوات الـ18 الماضية. لكن البلاد تشهد انقطاعات طويلة في التيار خلال الصيف، إذ يصل معدل التغذية بالطاقة في بعض المناطق إلى ساعة واحدة باليوم.

وتعدّ آفة الفساد التي تنخر مؤسسات الدولة أحد أسباب استمرار أزمة الطاقة، إلى جانب تعرّض الشبكات لمشكلات فعلية خارجة عن سيطرة الدولة، من بينها انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات، وتوقّف بعض محطات الطاقة في السدود، والعمليات الإرهابية التي تتعرض لها أبراج نقل الكهرباء بين الحين والآخر، إلى جانب استمرار الطلب المتزايد على التيار بمعدل سنوي يبلغ نحو ألفي ميغاوات.

وقال عضو البرلمان علي شداد، لـ"العربي الجديد"، إن "الشارع يغلي بسبب تراجع الخدمات عموماً، ومنها الكهرباء، وهو ما أدى إلى تظاهرات وقطع طرق مهمة في مدن مختلفة، وقد تتسع التحركات في الأيام المقبلة"، مضيفاً: "هذه المطالب محقة ومشروعة ونحن داعمون لتحقيقها".

وحذر شداد من أن "استمرار أزمة توفير الكهرباء خلال الصيف سيدفع إلى تفجر تظاهرات جديدة، بما فيها بغداد، ولهذا على الحكومة العراقية التعامل بشكل سريع مع هذا الملف، قبل خروج الوضع الشعبي عن السيطرة بسبب تظاهرات نقص الكهرباء".

الأمر نفسه أكده السياسي المقرب من التيار الصدري مناف الموسوي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "التظاهرات قد تتسع في الأيام المقبلة، إذا بقي الوضع من دون حلول من قبل الحكومة".

وبيّن الموسوي أن "موجة التظاهرات قد تتحوّل من مطالب خدماتية إلى سياسية، كما حصل في تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، فهي كانت خدمية ثم تحوّلت إلى سياسية بسبب عدم تلبية مطالب المتظاهرين من قبل الأطراف السياسية التي كانت تسيطر على حكومة عادل عبد المهدي".

في المقابل، قال الخبير في الشأن السياسي، غالب الدعمي، لـ"العربي الجديد"، إن "التظاهرات الشعبية في هذا التوقيت باتت أمراً يتكرر كل عام، مع النقص الكبير في تجهيز الطاقة الكهربائية والارتفاع العالي في درجات الحرارة". واعتبر أن "هذه التظاهرات قد تستغلها بعض الأطراف السياسية بهدف التسقيط ضد الحكومة أو ضد بعض الأطراف السياسية، وهو أمر متوقع".

ورأى الدعمي أن "التظاهرات الشعبية يصعب إيقافها من دون توفير مطالب المتظاهرين، ولهذا على الحكومة العمل سريعاً على توفير الكهرباء، قبل ارتفاع موجة الغضب الشعبي واتساع دائرة التظاهرات، وخصوصاً أنها تتسع يوماً بعد آخر بشكل كبير في مختلف المدن والمناطق العراقية".

عادل النواب