العدد 1688 /5-11-2025
أحمد عيد
في خطوة تُعدّ الأبرز منذ عقود في مسار العلاقات
العراقية – التركية، وقّع الجانبان اتفاقاً مائياً بحضور رئيس الوزراء العراقي
محمد شياع السوداني، خلال زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى بغداد.
وحصل توقيع الاتفاق يوم الأحد الماضي، في وقت دخلت
فيه بلاد الرافدين في حالة فقر مائي غير مسبوقة، وصلت إلى حدّ توقف مضخات سحب
المياه للمحطات ومضخات المياه التي تغذي المدن بمياه الشرب.
وقد بدت الأزمة في جنوب العراق أكبر وأعمق منها في
الشمال والغرب والوسط، حيث يمر نهرا دجلة والفرات قبل وصولهما إلى الجنوب العراقي.
وسيجري تمويل الاتفاق عبر مبيعات النفط العراقي، التي ستؤمن مبالغ إنجاز هذه
المشاريع التي ستتولى القيام بها الشركات التركية حصراً.
ومن المتوقع أن تُجرى دراسات لتحديد مشاريع جمع
المياه وحبسها وتوفيرها، عبر سدود وبحيرات صناعية، وكذلك مشاريع التخلي عن الطرق
التقليدية في الري والسقي، في خطوة تؤسّس لشراكة متوازنة بين بغداد وأنقرة تسعى
إلى معالجة أزمة المياه وتعزيز التنمية المستدامة. وستتولى أنقرة تأمين المياه عبر
دجلة والفرات، بما يضمن عدم دخول العراق في أزمة مائية مماثلة لما يمرّ به الآن.
وبحسب وسائل إعلام تركية، فإنّ الاتفاق خطوة تنفيذية للتعاون الإطاري في مجال
المياه المُوقَّع سابقاً بين البلدين خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
إلى العراق في إبريل/نيسان 2024.
وأول من أمس الاثنين، هنأ مبعوث الرئيس الأميركي
إلى العراق، مارك سافايا، العراق وتركيا على توقيع اتفاق إطاري بشأن إدارة الموارد
المائية. وقال سافايا، في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع): "نُهنّئ
جمهوريتَي العراق وتركيا على توقيع اتفاق إطاري بين البلدين لمعالجة القضايا
المستمرة المتعلقة بإدارة الموارد المائية".
امتداد لاتفاقيات سابقة
مستشار رئيس الوزراء العراقي لشؤون المياه، طورهان
المفتي، أكد أن الاتفاقية تُعد امتداداً لاتفاقيات سابقة، وتمثل منعطفاً تاريخياً
في العلاقات بين البلدين، إذ تنقل التعاون من مرحلة التفاهمات العامة إلى مرحلة
التنفيذ العملي للمشاريع الاستراتيجية التي تعزّز الأمن المائي للعراق وتدعم إدارة
الموارد المشتركة، وأوضح المفتي أن الاتفاقية الجديدة جاءت بعد سلسلة طويلة من
المفاوضات استمرت لأكثر من عام بين الجانبين، جرى خلالها مراجعة جميع التحديات
التي واجهت تنفيذ اتفاقية عام 2014 التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021 لكنها تعثرت
بسبب ظروف فنية وسياسية مختلفة.
وبين لـ"العربي الجديد" أن الاتفاق
الجديد وضع آلية واضحة وملزمة لتنفيذ إطار التعاون المائي، وأن لجنة عليا مشتركة
ستتولى الإشراف على تنفيذ الاتفاق، وتضم ممثلين عن وزارات الموارد المائية
والإعمار والإسكان والبلديات والتخطيط والمالية، إضافة إلى المحافظات العراقية
المعنية بقطاع المياه.
وأوضح أن اللجنة ستعمل على دراسة المشاريع
المقترحة من الجهات القطاعية العراقية وإقرار أولوياتها وفق الحاجة الفعلية، على
أن يجري تنفيذها بالتعاون مع شركات تركية مؤهلة وبمشاركة شركات محلية عراقية لضمان
نقل الخبرات والتقنيات الحديثة في إدارة الموارد المائية، وأفاد بأنّ الاتفاقية
تضمنت مشاريع لتحسين نوعية المياه وإيقاف تلوث الأنهار وتطوير أساليب الري
باستخدام التقنيات الحديثة واستصلاح الأراضي الزراعية المتضرّرة من الجفاف وحوكمة
إدارة المياه وترشيد استخدامها بما يسهم في تحقيق استدامة الموارد.
وأضاف أن تمويل هذه المشاريع سيكون وفق آلية مالية
عبر حساب خاص يُنشأ من بيع كميات من النفط الخام تُحدَّد بقرار من مجلس الوزراء
العراقي وتُباع إلى شركات تركية معتمدة من شركة تسويق النفط "سومو"، مشيراً
إلى أن الاتفاق نص على استفادة العراق بنسبة 65% من الأرباح الإضافية في حال إعادة
بيع النفط في الأسواق الأوروبية بسعر أعلى من السعر العالمي للنشرة الرسمية.
تنظيم التعاون الثنائي
وفي السياق، قال الخبير في شؤون المياه، تحسين
الموسوي، إنّ الاتفاقية المائية التي وقّعها العراق مع تركيا تُعتبر خطوة متقدمة
نحو تنظيم التعاون الثنائي في ملف المياه، لكنّها في الوقت نفسه لم تتضمن تحديداً
واضحاً لحصة العراق المائية أو كمية الإطلاقات السنوية من الجانب التركي، وأوضح
الموسوي لـ"العربي الجديد" أن جوهر الاتفاق ركّز على مشاريع الإدارة
والبنى التحتية واستخدام التقنيات الحديثة في الري، دون التطرق إلى تفاصيل كمية أو
التزامات رقمية تضمن حقوق العراق المائية مستقبلاً، وأضاف أن الاتفاقية تمنح
الجانب التركي دوراً فنياً في تطوير منظومات إدارة المياه داخل العراق بالاستفادة
من الخبرات التركية في مجال الري الحديث واستصلاح الأراضي، لكنها لا تمسّ جوهر
المشكلة المتمثل في انخفاض الواردات المائية من دجلة والفرات.
وبيَّن الموسوي أن حصة الفرد العراقي من المياه
تراجعت إلى أقل من 200 متر مكعب سنوياً، وهو رقم خطير مقارنة بالمعدل العالمي الذي
يبلغ نحو ألف متر مكعب، ما يعكس حجم التدهور المائي الذي يهدّد الأمن الغذائي في
البلاد.
وأوضح أن تركيا أبدت تفهماً لمتطلبات العراق
المائية، في حين أظهر العراق رغبة حقيقية في تبنّي تقنيات حديثة تقلل الهدر وتزيد
من كفاءة الاستخدام، مشدداً على أهمية استمرار الحوار الفني وتشكيل لجان رقابية
مشتركة تتابع التنفيذ وتضمن استدامة المشاريع، بما يجعل من هذا الاتفاق نقطة
انطلاق نحو معالجة جذرية وشراكة مائية عادلة.
الباحث في الشأن العراقي، زياد الهاشمي، قال في
تصريحات صحافية، إن "فائدة العراق من هذا الاتفاق إضافة إلى زيادة تدفقات
المياه، هي في زيادة المساحات الزراعية وزيادة إنتاج المحاصيل للاستهلاك المحلي
والتصدير، وتوظيف آلاف الشباب وتدريبهم على أساليب الزراعة الحديثة، وتحقيق عوائد
مالية كبيرة لخزينة الحكومة"، أما فائدة الأتراك من هذه الاتفاقية، وفقاً
للهاشمي، فهي "دعم شركاتها الوطنية في توسيع أعمالها إقليمياً ما يساهم في
دعم الاقتصاد التركي بعوائد مالية تنتج من نشاط تلك الشركات".