العدد 1688 /5-11-2025

معن البياري

صحيحٌ أن ثمّة إنجازاً دبلوماسياً وسياسياً كبيراً للمغرب، في تبنّي مجلس الأمن، أخيراً، مقترح الحكم الذاتي في الصحراء الغربية (أو المغربية في تسميةٍ جائزة) أساساً لحلّ النزاع المديد هناك، وكانت الرباط قد طرحته في 2007، وخيضت بشأنه جدالاتٌ ومُطارحاتٌ بلا عدد. غير أن من الحكمة، شديدة الإلحاح، ألّا يُردّدَ إن هذا الحدث، الانعطافيّ لا شك، هزيمةٌ سياسيةٌ للجزائر، في غضون المكاسرة الشديدة الحدّة، والحروب السياسية والإعلامية، بين الجارين. ذلك أن الأجواء المستجدّة تشيع مقادير من الأمل والتفاؤل، بأن القطيعة القائمة بينهما ربما تتدشّن، في الأسابيع المقبلة، بداياتُ إنهائها. وعندما يقول وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أول من أمس، إن حل المشاكل مع الجزائر أقربُ من أي وقتٍ مضى، فهذا من تباشير تشجّع على التفاؤل، لا سيّما أنه جاء غداة دعوة الملك محمد السادس الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى حوارٍ "أخويٍّ وصادق" ليتجاوز البلدان خلافاتهما، و"لبناء علاقاتٍ جديدةٍ تقوم على الثقة وروابط الأخوّة وحسن الجوار".

ولئن ليس جديداً تماماً هذا الذي أشهره الملك ساعتيْن بعد إعلان مجلس الأمن قراره (بامتناع الصين وروسيا وباكستان عن التصويت وعدم مشاركة الجزائر)، ولئن لم يعقّب قصر المرادية، حتى اللحظة، فإن مؤشّراتٍ جزائرية سابقةً قد تسوّغ التفاؤل المُتحدّث عنه، وإنْ بحدودٍ مضبوطة، فقد لوحظ، أخيراً، تناقص الحدّة، إلى حدٍّ ما، في اللهجة الجزائرية في موضوع الصحراء وفي شأن المغرب، وقد أشار الرئيس تبّون إلى وساطتي "قوة عظمى" و"أشقاء عرب"، وهذا جديدٌ بعد تشدّدٍ جزائريٍّ طويلٍ في رفض الوساطات. وهنا يلمّح إلى جهود أميركيةٍ مرتقبة، تبدّت في قول المبعوث ستيف ويتكوف صراحة، في 20 من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، عن توسّط الولايات المتحدة بين البلدين، وعن "اتفاق سلام" (!) سيجري إقرارُه بينهما بعد شهرين. وكذا في قول مبعوث ترامب إلى شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مسعود بولص، إن الجزائريين يرحّبون بإعادة تحسين العلاقات مع جيرانهم المغاربة. ولعلّ في الوسع تخمين أن حديث الرئيس الجزائري عن وساطة "أشقّاء" يعود إلى رسالةٍ تسلّمها أخيراً من ولي العهد السعودي، محمّد بن سلمان، بالتزامن مع تلقّي محمد السادس رسالةً شفويةً مماثلة من الرياض، نقلها إليه تركي بن محمّد.

لننتظر، إذن، أن يُتجاوَزَ التفاؤل إلى لقاءاتٍ جزائريةٍ مغربيةٍ صريحةٍ تمضي إلى المرجوّ والمشتهى. والأمل، من قبلُ ومن بعد، أن تُلاحَظ إرادةٌ سياسيةٌ مشتركةٌ تدفع باتجاه البناء على قرار مجلس الأمن الذي أغضب جبهة تحرير وادي الذهب والساقية الحمراء (بوليساريو)، لا سيّما أن تدخّلاً أميركياً سينشط في اتجاه "أفق" حلٍّ للصراع المعقّد منذ أزيد من 50 عاماً. ويحسُن تذكير من لا يعرف، من بين جمهرة قرّاء هذه السطور، بأن السيادة المغربية قائمةٌ في إقليم الصحراء، وأن من يزور مدناً وحواضر هناك (وقد تيسّر هذا لصاحب هذه السطور) لا يرى شيئاً من نزاع أو تنازع، وإنما وجود الدولة المغربية التام، وسعةً في أنشطةٍ تنمويةٍ واقتصاديةٍ كبرى. ولكن "القضية" الصحراوية التي لطالما نعتَها المغاربة، شعباً وسلطة، بأنها مفتعلة، لا بد أن يأتي يومٌ وتَطوي منطقة المغرب العربي صفحَتها، فلا تتعطّل آفاق هائلة للتعاون المشترك بين الجزائر والمغرب، كما الحادث منذ عقود، بسبب إيواء الجزائر جبهة بوليساريو، وتأمينها عسكرياً وسياسياً وإعلامياً.

وإذا قال قائلٌ إن من التعجّل ربما أن يخمِّن واحدُنا أن الحل اقترب، فإنّ هذا مشفوعٌ بأن إدارة ترامب (وليس غيرها!) ستضع ثقلها في الملف، بعد استنكاف عموم الإدارات الأميركية السابقة عن انخراط جدّيٍّ فيه، وأن قراراً لمجلس الأمن، هو في الأصل نصُّ مشروعٍ طرحته الولايات المتحدة، بات يهيئ أرضية مفاوضاتٍ بين المغرب و"بوليساريو"، مؤكّدٌ أنها لن تكون سهلة، لكنها ستختلف عن جولات تفاوضٍ سابقة، كانت مثل طبخ الحصى. وليس من مصلحة "بوليساريو" أن تبقى في مطرح المُمتنع والمستنكف والزعلان، فمياهٌ كثيرةٌ تجري، والمزاج الجزائري في بعض التحوّل، والمغرب سيعمل على تكييف مقترح الحكم الذاتي بآلياتٍ من المرجّح أن تُيسّر العبور إلى الحل الذي لا يفرّط في سيادة المغرب على صحرائه، لكنه لن يعاكس إرادة دولية (أميركية) بالخلاص من قضيةٍ كانت قبل أكثر من 30 عاماً، بحسب بطرس غالي، ثاني أعقد قضايا العالم.