حازم عياد

ما إن تنتهي مرحلة من مراحل الصراع في سوريا حتى تدخل المنطقة بمرحلة أشد تعقيداً وخطورة، مطلقة العنان لمزيد من المساومات السياسية والاقتصادية والعسكرية. فمعركة حلب فرضت ايقاعها معلنة انطلاق مرحلة جديدة تحتاج الى تعديلات مهمة في الاستراتيجية الأمريكية.
فاحتواء نتائج المعركة ووقف تفاعلاتها مسألة حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي راهنت على التفاهمات الروسية الأمريكية لتمرير اجندتها، فالمعركة التي بنيت على تفاهمات أمريكية روسية لم تسر بالشكل المرجو والسلاسة المتوقعة، ما دفع المبعوث الأمريكي الى مطالبة المعارضة السورية والائتلاف السوري بالتواصل مع كل من روسيا وقوات سوريا الديمقراطية، محذراً من التعامل مع جيش الفتح الذي لا ترى فيه الولايات المتحدة الامريكية حالة مقبولة، فضبط الايقاع السياسي بات امراً ملحاً بالنسبة إلى أمريكا بعد تعثر روسيا وإيران في حلب، ذلك ان معارك حلب بالنسبة إليها لم تكن سوى مقدمة لتتويج التفاهمات مع روسيا ومقدمة لتعزيز قوات سوريا الديمقراطية التي انجزت مهماتها المنوطة بها على اكمل وجه في منبج وفق الاستراتيجيا الأمريكية.
روسيا وللتعويض عن تعثرها في حلب عمدت الى توثيق التعاون مع إيران، والى دعوة الولايات المتحدة للمشاركة في المعركة عبر وزير الدفاع الروسي، في المقابل فإن المسؤولين الامريكان لم يعلقوا على تصريحات وزير الدفاع الروسي شويغو بأن روسيا وامريكا تستعدان لمعركة مع الارهابيين في حلب، مكتفية بالقول إن امريكا طلبت من روسيا فتح ممرات آمنة، والتوقف عن قصف المدنيين، محذرة من امكانية انهيار التفاهمات الروسية الأمريكية بخصوص سوريا، ما سيقود الى صراع طويل باتت واشنطن مستعدة له.
ما يزيد الأمور غموضاً وتعقيداً ان التصريحات الروسية ترافقت مع اعلان مفاجئ لفتح إيران قواعدها الجوية في هلمند لاستعمالات الطيران الروسي الذي باشر بقصف الأراضي السورية من هذه القواعد، والمترافق مع طلب روسي الإذن من إيران والعراق السماح بقصف سوريا بصواريخ مجنحة من بوارج قابعة في بحر قزوين، معلنة بذلك تحقيق انجاز واختراق كبير عزز نفوذها في إيران بإيجاد قواعد عسكرية تستقبل قاذفاتها الاستراتيجية.
في ظل هذا الخليط، يصعب فهم المعادلة السورية والطريقة التي تتفاعل بها معارك حلب وحقيقة المساومات، أو ما يمكن وصفه في لغة اخرى منمقة التفاهمات، فروسيا لا ترغب بالتورط في سوريا أكثر من اللازم، وأمريكا لا ترغب في ان تغير تموضعها أو مسارها الاستراتيجي بالقيادة من الخلف، الا ان آثار معركة حلب خرجت عن حدود السيطرة وتطاير شررها إلى إيران وتركيا والعراق.
فمسار الأحداث بات ضاغطاً على كل الأطراف المنخرطة بالصراع، فكيف سيتم لجم المعارضة السورية في حلب دون اجراء تعديلات على التفاهمات الأمريكية الروسية، ما يطرح تساؤلات عديدة عن الآلية الممكن اتباعها ومدى صلتها بالمساومات الدائرة في اروقة الدبلوماسية، فهل ستكون من خلال تدخل امريكي روسي مباشر أو من خلال دفع المعارضة السورية السياسة إلى التخلي عن جيش الفتح لعزله سياسياً، أو من خلال تعاون روسي امريكي غير مباشر، أو من خلال تصعيد روسي أو من خلال تدخل عسكري أمريكي أوسع؟
 روسيا تحاول رغم خسارتها في حلب تعزيز نفوذها في إيران، وتعزيز روابطها بأنقرة، وهو مصدر ضيق للوليات المتحدة الأمريكية يضاف إلى محاولات روسية لاستثمار القلق الأمريكي من معارك حلب، بدفعها الى الانخراط والتورط بالمعركة بشكل مباشر، أو على الأقل الاشارة الى دورها في احتواء هجوم المعارضة كحد أدنى.
أمريكا التي تبذل جهوداً كبيرة للتعامل مع معارك الموصل، ترى في هذه المعادلة محاولة روسية لاستغلال الضغوط التي تتعرض لها استراتيجيتها في المنطقة، ودفعها الى مزيد من التورط والتعديل في خططها، الا انها في المقابل لا تمانع بمزيد من التورط الروسي في سوريا والاستنزاف، وهو ما تسعى روسيا لتجنبه.
المعادلة في سوريا أصبحت جدّ معقدة، ما يعطي خيار اطالة الصراع الذي تحدث عنه المسؤولون الامريكان، باعتباره الخيار المفضل للإدارة الأمريكية، غير ان معارك حلب تضغط على أمريكا لإحداث تعديلات وخوض جولة جديدة من المفاوضات، زادتها سوءاً معارك منبج ومحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا.
في الظاهر، إن امريكا تمسك بكامل خيوط اللعبة، أما في الباطن فإن معارك حلب ستدفع كلاً من روسيا وامريكا الى البحث عن مخرج مشرّف، أو تقديم تنازلات قاسية لتعيدل مسار الحرب، جوهر الخلاف الروسي الأمريكي في هذه اللحظة، فكل يريد إجراء تعديلات وتحقيق مكاسب ولو طفيفة، الى جانب تجنب تحمل الكلف الأكبر.