محمد أمين

انتقل الصراع على الغوطة الشرقية لدمشق إلى مستويات تنذر بالأخطر، بعد دخول أميركي على الخط والتلويح بعمل عسكري يردع النظام السوري في حال فشل مجلس الأمن الدولي بالقيام بمهامه، ليأتي الرد الروسي بشكل أعنف بتحذير واشنطن من «عواقب وخيمة» لأي ضربة توجّهها ضد النظام. يأتي ذلك فيما يتزايد التخوف على مصير عشرات آلاف المدنيين المحاصرين في الغوطة، مع استمرار النظام وبدعم من حلفائه في استخدام القوة المفرطة لتحقيق حسم عسكري، بعد نجاحه في تقسيم المنطقة إلى ثلاثة أجزاء، فيما لا تزال فصائل المعارضة تصرّ على أن خيارها الوحيد هو مقاومة الحملة العسكرية على المنطقة. وليس بعيداً عن تطورات الغوطة، تتسارع الأحداث في الجنوب السوري، وتحديداً في محافظة درعا، حيث واصل النظام، قصف مناطق في المحافظة، بعد معلومات عن تحضيرات تقوم بها فصائل المعارضة لفتح جبهة هناك بهدف تخفيف الضغط العسكري عن الغوطة، لتبرز دعوة أميركية إلى «اجتماع عاجل» في الأردن لضمان الحفاظ على منطقة عدم التصعيد في الجنوب.
وبعد أقل من يوم على إعلان السفيرة الأميركية أمام مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي، أن الولايات المتحدة مستعدة للتحرك في سورية إذا تعيّن ذلك، وأنه عندما يتقاعس مجلس الأمن عن التحرك «فهناك أوقات تضطر فيها الدول للتحرك بنفسها»، جاء الرد الروسي عنيفاً، إذ حذر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، واشنطن من عواقب وخيمة جداً لأي ضربة يُحتمل أن توجهها ضد قوات النظام السوري، وذلك بعد ساعات من تحذير مشابه أطلقه رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف.
وقال الوزير الروسي، في تصريحات صحافية أمس، إن على نيكي هايلي «أن تدرك أن استخدام الميكروفون في مجلس الأمن الدولي بشكل غير مسؤول شيء، وما يحدث بين العسكريين الروس والأميركيين شيء آخر»، واعتبر لافروف أن من الضروري تفادي خرق نظام وقف إطلاق النار في الغوطة، مؤكداً أن مشروع القرار الجديد حول هدنة في الغوطة، الذي تنوي واشنطن تقديمه في مجلس الأمن، «يشير إلى فشلها في تنفيذ القرار السابق 2401 وعدم رغبتها في محاربة الإرهاب والحفاظ على خطط تغيير النظام في سورية». وأضاف: «ما هددت به هايلي بتقديم قرار جديد، كما فهمت هو جاهز، يعني شيئاً واحداً فقط، أنهم فشلوا في تنفيذ القرار السابق، لأن المشروع الجديد الذي يرغب الأميركيون بتقديمه الآن لا يتضمن أي استثناءات للإرهابيين، أي يمنع الاقتراب من الإرهابيين»، معتبراً أن «التحالف الأميركي لا يهتم كثيراً بالقضاء على بقايا الإرهاب بل بالحفاظ على الإرهابيين لتهديد النظام السوري بهم». من جهة أخرى، رأى لافروف أن لا ضرورة للسعي الآن لزيادة عدد مناطق خفض التصعيد في سورية، مفضلاً التركيز على تأمين نظام وقف إطلاق النار، خصوصاً في الغوطة الشرقية. ولفت إلى أنه سيلتقي نظيره التركي مولود جاووش أوغلو، ويوم الجمعة في أستانة، نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، «وسيُعقد اجتماع وزاري للدول الضامنة، يناقش موضوع مناطق خفض التصعيد، والأهم الآن هو تأمين العمل بالنظام الذي تم التوافق عليه».
في غضون ذلك، واصلت آلة النظام وحلفائه العسكرية قتل المدنيين في الغوطة وتدمير ما بقي في مدنها وبلداتها، إذ قُتل وأصيب مدنيون،  في قصف على بلدات سقبا وكفر بطنا وجسرين في الغوطة، بعد يوم دامٍ قُتل فيه العشرات من المدنيين. ويبدي ناشطون في الغوطة الشرقية،  مخاوفهم من حصول مجازر جماعية بحق عشرات آلاف المدنيين في مدينتي دوما وحرستا تم عزلهم عن بقية بلدات الغوطة الشرقية. وبات أكثر من 400 ألف مدني في مدن وبلدات الغوطة في وضع «كارثي»، إذ تقطعت بهم السبل. ويشير ناشطون إلى أن 220 ألف شخص محاصرون في مدينة دوما وحدها في مساحة لا تتعدى أربعة كيلومترات.
ووصفت مصادر محلية تقطن في أحياء دمشق الشرقية بالقرب من الغوطة ما يجري هناك من عمليات قصف جوي لا يكاد يتوقف بـ«المحرقة»، مضيفة أن صمود فصائل المعارضة أسطوري في ظل هذا القصف المتوحش الذي تهتز لدويه كل أحياء العاصمة.
على الرغم من هذا الواقع، أكد المتحدث باسم «جيش الإسلام» حمزة بيرقدار، أن مقاومة قوات النظام والمليشيات التي تساندها «لا تزال الخيار الوحيد» لدى فصائل المعارضة في الغوطة. وأبدى بيرقدار خشية من ارتكاب النظام وحلفائه مجازر جماعية بحق المدنيين في الغوطة بعد فرض الحصار على دوما وحرستا، وقال «إن نظام الأسد ومليشياته وحلفاءه لم يتورعوا عبر سنوات الثورة عن سفك الدماء وارتكاب المجازر حتى في ظل القرارات الأممية القاضية بتخفيف التصعيد ووقف إطلاق النار». وكانت قيادة الأركان في فصيل «جيش الإسلام» أصدرت بياناً، نفت فيه الأنباء عن القيام بإجراء مفاوضات مع النظام وروسيا بخصوص إخراج مقاتلي الجيش من الغوطة الشرقية.}