العدد 1332 / 10-10-2018

بقام : ياسين عز الدين

يتساءلون لماذا لا تستخدم حماس السلاح لحماية مسيرات العودة، البعض يقولها من باب المزايدة، وآخرون مؤيدون للحركة يحيرهم عدم استخدام الحركة لكامل قوتها المسلحة.

وبما ان الحصار هو موت بطيء، فكان الحل الحراك الشعبي ليضغط على الاحتلال والعالم، دون الوصول للحرب الشاملة.

استخدام قوتك القصوى في الصراعات ليس دائمًا بالأمر الحكيم، خاصة عندما تكون قوتك محدودة، فأنت لا تريد تبديدها في معركة واحدة ثم تصبح عاريًا بلا قوة.

عندما تكون لديك ست رصاصات في مسدسك فأنت لا تطلقها في دقيقة، لأنك ستقف بعدها بلا سلاح.

سأضرب مثالين:

الأول: حرب النكبة عام 1948 - يردد عامة الناس مستهزئين قول ذلك الجندي العراقي "ماكو أوامر"، في إشارة لسلبية الجيش وعدم تحركه لانقاذ مناطق عديدة في فلسطين.

لكن الواقع أن "ماكو أوامر" هو الجيش العربي الوحيد الذي تصرف بشكل صحيح في الحرب، والمنطقة التي حافظ عليها الجيش العراقي (شمال الضفة الغربية - 10% من مساحة فلسطين) أكبر من المناطق التي حافظت عليها باقي الجيوش العربية مجتمعة.

الجيش العراقي تمدد حسب قوته واستطاعته، وحرر جنين وعشرين قرية محيطة بها، وحمى طولكرم وقلقيلية والطيرة والطيبة من احتلال محقق، لكن قادة الجيش لم يغامروا بالتوسع أكثر لأن ذلك أكبر من طاقة جيشهم.

في المقابل تمدد الجيش المصري في مناطق واسعة ووصل إلى صور باهر وبيت صفافا جنوبي القدس، وحاول مهاجمة تل أبيب ويافا دون امتلاك القوة اللازمة فكان هجومًا فاشلًا ومكلفًا.

كما انهار جيش الإنقاذ في منطقة الجليل شمالي فلسطين، وهو جيش من المتطوعين، وانسحب في يوم وليلة.

كان الاختلال في ميزان القوى لصالح العصابات الصهيونية التي زاد تعدادها عن مئة ألف، بينما لم يتجاوز عدد كل الجيوش العربية الـ 35 ألفًا.

وكان الأجدر اللجوء إلى أساليب حرب العصابات في مناطق عدة من فلسطين، وكان يجب تنظيم مسيرات العودة بعد هدنة رودس عام 1949م للمطالبة بحق عودة اللاجئين، لكن قادة الدول العربية اكتفوا بحرب خاضوها دون تخطيط سليم، وقبلوا بالنتيجة، ولم يسعوا لتغييرها.

الثاني: في الثورة السورية استطاعت الفصائل المسلحة هزيمة قوات النظام والسيطرة على مساحات واسعة في سوريا، ورغم التدخل الإيراني وحزب الله إلا أن ميزان القوى كان متقاربًا.

لكن منذ تدخل الروس بقوة تغيرت موازين القوى، ومنذ سقوط حلب كان واضحًا أن خوض الفصائل المسلحة للحرب النظامية كانت خاسرة وبلا أمل، وكان الأجدر اللجوء لحرب العصابات.

إلا أنهم تمسكوا بنفس أسلوب القتال فخسروا المنطقة تلو الأخرى، ولم يبقَ لهم سوى أجزاء من حلب وأدلب، وتحت حماية الجيش التركي.

في الختام:

سواء في حرب النكبة أو الثورة السورية، كان ميزان القوة مختلًا، وكان الأجدر التفكير بأساليب مختلفة عن المواجهة العسكرية المباشرة، لكنهم اختاروا الحرب النظامية التقليدية مما أوصلنا إلى الهزيمة.

في غزة تستطيع حماس إنزال خسائر كبيرة بالاحتلال، لكن هل تستطيع حسم حرب نظامية مباشرة؟ اختلال القوى العسكرية كبير جدًّا، ولا يمكن لقائد عاقل أن يتجاهله.

اللجوء إلى المقاومة الشعبية كان خيارًا ذكيًّا، لكن ينقصه امتدادها إلى خارج غزة من أجل إلهاء الاحتلال وتخفيف الضغط عن غزة، وما دام لم نتخذ الخطوة الثانية، فحن نعرض المقاومة في غزة إلى خطر قاتل.

الحروب ليست فقط استعمال السلاح، بل قبل ذلك استخدام العقول، وقد سألوا وزير الدفاع الأمريكي ماكنمارا عن سبب هزيمتهم في فيتنام رغم امتلاكهم التكنولوجيا، فقال لقد امتلكنا التكنولوجيا لكننا عطلنا عقولنا.